للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعادتهم، فقد يجزئ في بلد ما أوجبه أبو حنيفة، وفي بلد ما أوجبه أحمد، وبلد آخر ما بين هذا وهذا على حسب عادته عملاً بقوله تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (١).

قلت: وهذا هو الصواب لما تقدم، ولا يعارضه ما كفَّر به بعض الصحابة فإن هذا كان عرف بلدهم، ولذا قال مالك: أما عندنا ههنا فليكفر بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم في اليمين، وأما أهل البلدان فإن لهم عيشًا غير عيشنا فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم.

(جـ) هل يجزئ إطعام المساكين أو لابد من تمليكهم الطعام؟ (٢)

١ - ذهب جمهور العلماء (مالك والشافعي وأحمد) أنه لابد من تمليك المساكين الطعام، ولو غداهم أو عشَّاهم لم يجزئه -عندهم- لأن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم كلَّ مسكين مدًّا، ولأنه مال وجب للفقراء شرعًا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة، ولأن التمليك يسمى إطعامًا كما في الحديث: «أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدَّ السدس» (٣).

٢ - بينما ذهب أبو حنيفة -ورواية عن مالك- والثوري والأوزاعي والحسن وغيرهم أنه يجزئ أن يُغدِّيهم أو يعشيِّهم، وهو اختيار شيخ الإسلام، لأن المقصود حقيقة الإطعام لا التمليك، وهو المنصوص عليه، ولأن التمكين من الطعام إطعام، قال تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (٤) فبأي وجه أطعمه دخل في الآية، نعم في التمليك تمام الإطعام، فيتأدَّى الواجب بكل منهما.

قلت: وهذا أصحُّ، فلو غدَّى عشرة المساكين أو عشَّاهم من الطعام الذي يعتادون طبخه في المتوسط، فقد أدَّى الكفارة وأجزأت عنه، والله أعلم.

٢ - الكسوة:

ويجزئ منها ما يصدق عليه مسمَّى الكسوة (اللباس) مما يلبسه المساكين عادة، وقدرها مالك وأحمد بأن تكون ساترة لعورته في الصلاة رجلاً كان أو امرأة (٥).


(١) سورة المائدة: ٨٩.
(٢) «المبسوط» (٧/ ١٥)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٦٥١)، و «روضة الطالبين» (٨/ ٣٠٧)، و «الفتاوى» (٣٣/ ٣٥٠).
(٣) حديث ضعيف: انظر «الإرواء» (٦/ ١٢١).
(٤) سورة الإنسان: ٨.
(٥) «المدونة» (٢/ ٤٤)، و «الأم» (٨/ ٩٢)، و «المغنى» (١١/ ٢٦٠)، و «المحلى» (٨/ ٧٥) وفيه كلام نفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>