للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن حمل المطلق على المقيد مع اختلاف السبب لا يصح كما تقدم الإشارة إليه، قلت: وهذا هو الراجح أنه لا يلزم التتابع في صيام كفارة اليمين، وقد كان يلزم مالكًا والشافعي -رحمهما الله- يقولا بمثل هذا في تحرير الرقبة فلا يشترطا أن تكون مسلمة، وقوفًا مع النص لا سيما مع اختلاف السبب.

الكفارة تجزئ قبل الحنث وبعده:

لا خلاف بين أهل العلم في أن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث، ثم اختلفوا فيما لو قدَّم الكفارة على الحنث هل تجزئه؟ فالجمهور على أنها تجزئ، وإن كان الأولى تأخيرها لبعد الحنث، وهذا القول منسوب لأربعة عشر صحابيًّا وعدد كبير من التابعين.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها لا تجزئ قبل الحنث، وقال الشافعي: لا تجزئ بالصوم، وتجزئ فيما عداه (١).

قلت: والصواب -هنا- قول الجمهور فلو كفَّر عن يمينه قبل الحنث -وبعد اليمين- أجزأه وألفاظ الأحاديث تؤيد هذا المذهب، ففي حديث عبد الرحمن بن سمرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حلفت على يمين فكفِّر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير» (٢).

وهو صريح في تقديم الكفارة على الحنث بل في وجوب ذلك، لولا الإجماع على خلافه، وإن كان الأولى تأخيرها خروجًا من الخلاف، والله أعلم.

هل تتعدد الكفارة بتعدد اليمين؟ (٣)

١ - لا خلاف في أن من حلف يمينًا فحنث فيها، وأدَّى ما وجب عليه من الكفارة، أنه لو حلف يمينًا أخرى وحنث فيها تجب عليه كفارة أخرى.

٢ - إذا حلف أيمانًا على أمور مختلفة، فالصواب أنه إذا حنث في واحدة منها فعليه كفارتها، وإذا حنث في أخرى لزمه كفارة أخرى وهكذا، ولا تتداخل الكفارات، لأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فلم تتكفَّر إحداها بكفارة الأخرى.


(١) «المدونة» (٢/ ٣٨)، و «المغنى» (١١/ ٢٢٢)، و «المحلى» (٨/ ٦٧)، و «المبسوط» (٨/ ١٤٨)، و «شرح مسلم» للنووي.
(٢) صحيح: أخرجه النسائي (٧/ ١٠)، وأبو داود (٣٢٧٨).
(٣) «ابن عابدين» (٣/ ٤١٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ٥٧٨)، و «المغنى» (١١/ ٢١٢)، و «المحلى» (٨/ ٥٣)، و «الإنصاف» (١١/ ١٨٠)، و «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>