للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مؤامرة قريش الرابعة وقتل عشرة من دعاة الإسلام]

اتخذ الأعداء بعد غزوة أحد عدة سبل لإنزال الخسائر بالمسلمين وهكذا، وفي سنة ٤ للهجرة:

١ - أرسلت قريش سبعة أشخاص من قبيلة عضل وقارة إلى النبي في المدينة ليخبروه أن أهل قبيلتهما على استعداد للدخول في الإسلام، وليطلبوا منه أن يرسل معهما من يفقهوهم في الدين، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم عشرة من الصحابة وأمر عليهم عاصم ابن ثابت (١)، وحين وصل الصحابة إلى مكان بين عسفان ومكة هجم عليهم مائتا رجل من الرماة يريدون أن يعتقلوهم أحياء فصدهم الصحابة واستشهد منهم ثمانية، واعتقل خبيب بن عدي وزيد بن دثنة فأخذهما سفيان الهزني إلى مكة وباعهما لقريش.

[خبيب وزيد في الأسر]

وسجنتهما قريش عدة أيام في بيت الحارث بن عامر، وفي يوم من الأيام كان للحارث طفل يلهو بمدية حادة وجاء عند خبيب فأجلس الطفل على ركبتيه، وأخذ المدية، وحين رأت أم الطفل أن الطفل أخذ المدية وراح عند الأسير الذي لم يطعم شيئا ولم يسقى شيئا منذ أيام، صرخت دون أن تدري، فقال خبيب، هل تظنين أنني قاتل الطفل ... ألا تعرفين أن الغدر ليس من طبع المسلمين.

وقام الظالمون من قريش بعد عدة أيام فوضعوا خبيبا وصاحبه تحت الصليب وقالوا لهما: لو تركتما الإسلام لنجوتما بروحيكما فقال الصحابيان الجليلان: إذا فقدنا الإسلام فماذا نفعل إذا امتلكنا روحينا".

فسألتهما قريش عما يتمنياه، فقال خبيب: ذروني أركع ركعتين، فأمهل حتى أدى الصلاة، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها (٢).

وقام القساة بصلبهما وأمروا الطاعنين بطعنهما في كل موضع في جسميهما.

الله أكبر! كم كان ثبات قلوبهم على الإسلام! وكم كانت استقامتهم على دين الحق. وكم كان إيمانهم بالنجاة الأبدية وبرضا الله تعالى، حتى تحملوا كل هذه الآلام


(١) عاصم بن ثابت: جد عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(٢) البخاري عن عبد الله بن عياض (٤/ ٢٨، ٢٩، وابن هشام ٢/ ١٧٢.

<<  <   >  >>