وينبغي أن نعلم هنا أن شرح العبد حالته أمام الله لا يدخل في عدم العجر، فقد حكى القرآن عن يعقوب عليه السلام:
{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}(يوسف: ٨٦).
ومن دعاء أيوب:
{إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}(الأنبياء: ٨٣).
وقال الشاعر العربي:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
ويعلم قراء سيرة الرسول (ص) مدى ما قاساه النبي في تبليغ الأحكام الإلهية وتعليم المؤمنين ومن معاملة أهل الكفر وتدبير شئون أهل الدنيا وإعلاء كلمة الحق، وكيف تحمل رسول الله (ص) المصائب وصبر على الهموم والأحزان! .. فكان القذر يلقى حينا لدى بابه فكان هذا يؤذيه ويحزنه، وكانت الحفر تحفر حينا في طريقه وتغطى بالألواح الخشبية الرقيقة بعد أن تملأ بالأشواك، حتى يقع فيها (ص) حينما يخرج للصلاة ليلا، وكانوا يشدون عنقه بالرداء ويضعون بعر الإبل على ظهره وهو يصلي ويضحك الكفار عليه ويسخرون منه، كما كان يرمى بالحجارة ويمنع من قراءة القرآن.
وقد مضى عليه (ص) زمن حبس فيه في شعب ومنع منه الأكل والماء، ولكن النبي (ص) صبر على ذلك صبرا أثنى عليه الله تعالى بقوله {وما صبرك إلا بالله}(النحل: ١٢٧).
فالأجدر بمثل هذا الرسول أن يجعل الصبر لباس التجمل والعظمة والوقار فيقول:((الصبر ردائي)).
صلى الله تعالى على حبيبه بقدر صبره على بلائه وشكره على آلائه وبارك وسلم.
١٠ - والرضا رغبتي: من الواضح أن أقوال أئمة الزهد والتقوى عن الرضا ثلاثة:
١ - يقول أهل خراسان: إن الرضا أيضا اسم من أسماء المقامات، وهو منتهى التوكل، ويحصل للعبد بالاكتساب.
٢ - ويقول أهل العراق: إن الرضا من جملة الأحوال، وليس من المكاسب بل من المواهب.