من الضروري إثبات ما قاله بلسانه عن نفسه، وهذا الصحابي هو كعب بن مالك الأنصاري، وكان من بين الثلاثة والسبعين الذين حضروا بيعة العقبة الثانية، وكان من خاصة الشعراء.
[امتحان شديد لكعب بن مالك رضي الله عنه]
قال كعب: كان تخلفي من هذا السفر وبقائي في بيتي ابتلاء محض، ولم تكن هذه إرادتي ولم يكن لي عذر في هذا الأمر، وكان جميع عتاد السفر جاهز، وكنت أمتلك أفضل النوق، وكانت حالتي المالية أحسن مما كانت عليه من قبل وكنت اشتريت استعدادا لهذا السفر راحلتين، بينما لم يجتمع لدي راحلتان من قبل، وبينما كان الناس يعدون العدة للسفر رأيتني أتكاسل وفكرت بأن أمضي يوم الرحيل، ويوم غادر جيش المسلمين، كان لدي عمل بسيط فقلت، لأذهب في الغد، وهكذا مضى يومان أو ثلاثة وأنا في هذا التكاسل والتردد، ومضى الجيش بعيدا حتى أنه صار من الصعب اللحاق به، وصدمت مما حدث.
فخرجت يوما من البيت، فلم أر إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا مما عذر الله من الضعفاء. ولم يقابلني في الطريق سوى هؤلاء، واعتصرني الألم والحزن ومرت الأيام على هذا الحال حتى عاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتحيرت ماذا عساي أفعل وماذا أقول وكيف أنجو من سخط رسول الله، وعلمني الناس بعض الحيل والذرائع إلا أنني قررت بأن النجاة لا تكون إلا بالصدق، وحضرت في نهاية الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبسمم تبسم الغاضب، وذهب عني عقلي.
سألني النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما خلفك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟
قلت: يا رسول الله، كان عندي كل شيء، غافلتني نفسي وغلبني ضعفي، وأضلني الشيطان وأوقعني في دوامة الحرمان والخذلان.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الزم بيتك حتى يقضي الله فيك أمره.
فقال بعض الناس: لو أنك اختلقت عذرا وحيلة لما حدث هذا، فقلت، إن الوحي الإلهي سيفضح كذبي وهكذا لن يبقى أي مكان، فالأمر لا يتعلق بالدنيا بل برسول الله" وسألت: هل لقي أحد غيري مثلما لقيت؟ قال الناس: نعم هلال بن أمية ومرارة بن