توفي ذو البجادين أثناء الإقامة في تبوك، وذكر هذا المخلص يوضح مدى لطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنايته بالفقراء المخلصين من الصحابة، واسمه عبد الله، توفي والده وهو طفل فرباه عمه ولما شب أصلح عمه حاله بأن وهبه الإبل والغنم والعبيد، سمع عبد الله عن الإسلام فتشوق قلبه إلى التوحيد، إلا أنه كان يخاف عمه لدرجة جعلته لا يستطيع إعلان إسلامه وحين عاد النبي من فتح مكة قال عبد الله لعمه:
"يا عمي مضت سنوات وأنا أنتظر أن تتحرك فيك رغبة للإسلام فتسلم، ولكن حالك لم يتغير وعمري قد لا يطول كثيرا فاسمح لي أن أسلم".
قال عمه: انظر لو أردت أن تقبل دين محمد فسوف أسلبك كل ما عندك حتى الإزار والرداء.
قال عبد الله:"يا عمي لأسلمن وأتبعن محمدا، فقد تأذيت كثيرا من الشرك والوثنية، فافعل ما تشاء، ولتأخذ مالي وكل ما أملك، فإني أعلم أني تاركه في الدنيا جميعه في يوم ما، ولهذا لا يمكن أن أترك في سبيله الدين الحق".
قال عبد الله هذا وخلع عنه ثيابه وذهب إلى أمه كما ولدته، رأته أمه فتحيرت وسألته عما جرى، فقال عبد الله؛ أصبحت مؤمنا وموحدا بالله وأريد الذهاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحتاج إلى ما أستر به عورتي، فأعطته أمه بجادا، فشقه عبد الله إلى شقين، اتزر بواحد واشتمل بواحد، ووصل المسجد النبوي في الفجر وظل إلى جدار المسجد ينتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل المسجد المبارك، رآه فسأله عمن يكون، فقال: اسمي عبد العزى، فقير مسافر، عاشق جمال وطالب هداية، جئت تاركا ورائي كل شيء.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، اسمك عبد الله، ولقبك ذو البجادين، انزل قريبا منا واسكن المسجد.
انضم عبد الله إلى أصحاب الصفة (١)، يتعلم القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتلوه بشوق
(١) الصفة هي الأريكة أو المقعد، وكان في صحن المسجد النبوي مكان يشبه الأريكة، يقيم فيه المسلمون الذين تخلوا عن مال الدنيا ومتاعها، وعن دعتها وذلك ليتعلموا الدين وأحكام =