تعالى الماء دله تعالى على العيون المختفية تحت الأرض الصخرية، فأخرجت العيون بالعصا فجرت، ومهما كان هذا التأويل بعيدا عن ألفاظ القرآن، لكن لا يتحقق به نفي المعجزة، إذ من المسلم به أن الهداية تحققت بعلم الله تعالى، والبركة ظهرت بفعل موسى، أما عهد النبي (ص) ففضله أن الماء هنا نبع من الجلد واللحم، بدل الأرض الصخرية، وهذا من أبدع المعجزات، وليعلم أن فوران الماء وفيضانه وقع بذات النبي (ص) مرة بعد أخرى وبأساليب مختلفة، ويمكن تعيين هذه الوقائع بتتبع الأحاديث.
[محرم عام ٧ هـ]
١ - أخرج مسلم عن جابر قال: سرنا مع رسول الله (ص) في غزوة ذات الرقاع حتى نزلنا وادي أفيح، فقال رسول الله (ص):
((يا جابر ناد بوضوء)) قال، قلت: يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، قال:((انطلق إلى ابن فلان الأنصاري)) قال: فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد إلا قطرة في عزلاء شجب منها، فأتيت رسول الله (ص)، فقال:((اذهب فأتني به)) فأتيته به، ثم قال:((يا جابر ناد بجفنة)) فأتيته بها تحمل، فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله (ص) بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال:((خذ يا جابر فصب علي وقل: بسم الله)) قال جابر: فصببت عليه فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله (ص) ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلات، فقال:((يا جابر ناد من كان له حاجة بماء)) قال: فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، فرفع رسول الله (ص) يده من الجفنة وهي ملأى)) رواه مسلم.
وكما ذكرنا في الوسط من هذا الكتاب كان عدد أصحاب النبي (ص) في هذه الغزوة (وهي غزوة ذات الرقاع) أربعمائة نفر.
[ذو القعدة عام ٦ هـ]
٢ - أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله (ص) بين يديه ركوة فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله (ص): ((ما لكم؟)) قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: فوضع النبي (ص) يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا؛ قال سالم (الراوي) لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة