للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أسباب الهجرة]

يذكر أنه في السنة الحادية عشرة للبعثة النبوية، وفي موسم الحج، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلام الليل في مكان يبعد عن مكة عند العقبة (١) أناسا يتكلمون فوصل النبي إلى مكان الصوت فوجد ستة رجال (٢) كانوا قد قدموا من يثرب، فذكر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عظمة الله وجلاله. وأضاء قلوبهم بنور الله، ونفرهم من الأوثان، وأرشدهم إلى الخير والعفاف ومنعهم عن المعاصي والمنكرات، ونور قلوبهم بآيات القرآن الكريم، ومع أن هؤلاء الناس كانوا وثنيين، إلا أنهم طالما سمعوا من يهود مدينتهم مرة بعد مرة أن نبيا سيبعث قريبا (٣)، ولهذا أسلموا من فورهم وعادوا إلى قومهم وقد أصبحوا من دعاة دين الحق المخلصين.

كانوا يبشرون بأن ذلك النبي (٤) الذي كان ينتظره الجميع قد ظهر وقد سمعنا كلامه بأسماعنا ورأينا طلعته بأبصارنا وأنه قد هدانا إلى الحي القيوم، فصارت الحياة والموت في هذه الدنيا بالنسبة لنا لا شيء.

[بيعة العقبة الأولى]

كان من نتيجة دعوة هؤلاء الناس وبشارتهم أن فشا في كل بيت من بيوت يثرب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي العام التالي أي الثاني عشر للنبوة حضر إلى مكة اثنا عشر رجلا من يثرب (٥)


(١) هذا المكان يقع بين الحمراء ومنى.
(٢) وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي وسعد بن ربيع (انظر الاستيعاب)
(٣) زاد المعاد المجلد الأول [ص:٣٠٣]
(٤) ليرجع القارئ لفهم معنى لفظ (ذلك النبي) إلى إنجيل يوحنا (الإصحاح الأول: ١٩ - ٢٨) فقد اعترف فيه يوحنا (يحيى) بأنه ليس المسيح (٢١) فسألوه إذن ماذا، ألست أنت؟ فقال لست أنا، إذا ماذا هل أنت "ذلك النبي" فأجاب: لا، ويفهم من هذا أن علماء اليهود في ذلك الزمان كانوا ينتظرون مجيء ثلاثة أنبياء: الأول إلياس والثاني المسيح والثالث (ذلك النبي) ويتضح من الإنجيل أن يوحنا أخبر بأن يسوع هو المسيح والمسيح قال أن يوحنا هو إلياس، ويبقى الآن ظهور الثالث الذي ورد ذكره في الكتب السابقة بذلك النبي، الذي وصفه المسلمون بحضرة النبي، فإن لم يكن محمد هو ذلك النبي فليذكر لنا علماء النصارى من هو الذي قيل عنه "ذلك النبي".
(٥) أبو أمامة، عوف بن الحارث، رافع بن مالك. قطبة بن عامر، عقبة بن عامر، معاذ بن حارث، ذكوان بن عبد قيس، خالد بن مخلف، عبادة بن صامت، عباس بن عبادة، أبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة

<<  <   >  >>