للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الخاصية الثالثة والعشرون]

{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (الفتح: ١٠)

المبايعة من البيع، والبيع مطلقا في اللغة يعني المبادلة، وفي الشرع هو أخذ الثمن وإعطاء المثمن إذا تراضى الجانبان.

والبيع كذلك يستعمل بمعنى الشراء وبالعكس، بالنظر إلى حالة الجانبين. والحاصل أن المبايعة لابد أن يوجد فيها من الجانبين الإعطاء والأخذ.

والبيعة في الاصطلاح: هي تعهد الإنسان بطاعة الإمام، يلزمه بها نفسه والتزام وفاء العهد أيضا يدخل في هذه الكلمة.

والبيعة التي ذكرتها الآية الكريمة كانت قد وقعت بموضع الحديبية تحت شجرة سمرة، يقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (الفتح: ١٨).

والحاجة إلى هذه البيعة وحقيقتها أن النبي (ص) كان قد أرسل عثمان بن عفان إلى قريش سفيرا له، وأرسل معه عشرة من الصحابة، وبعد وصولهم بيوم أو يومين بلغ النبي (ص) أن قريشا حبسوا عثمان وقتلوا أصحابه. وكان هذا خبر لو صدق لوجب القتال شرعا وخلقا لتأمين حرمة السفراء، والذين كانوا مع النبي (ص) في هذا السفر ممن جاءوا لأداء العمرة والطواف، ولم يخطر ببالهم أنهم سيواجهون الحرب وسوف يضطر المهاجرون لرفع السيف في وجوه أقاربهم وذويهم، ومن هنا وجبت البيعة المذكورة. ورد في رواية جابر التي أخرجها الشيخان (١) أن عدد المبايعين آنذاك كان أربعمائة وألفا. كان النبي (ص) جالسا في ظل شجرة وقد مد يده للبيعة، وكان عمر يسند يده (ص) بيده حتى لا تتعب، والناس يأتون ثم يرجعون بعد البيعة.

قال سلمة بن الأكوع: إنه بايع على الموت. وقال جابر بن عبد الله: إنه بايع على عدم الفرار.

ويستنبط بالجمع بين الروايات أن ألفاظ البيعة كانت باختيار المبايع ورضاه. ولاشك


(١) البخاري (٤١٥٣)، ومسلم (١٨٥٦).

<<  <   >  >>