بنسع راحلته، وأتوا به إلى مكة، يضربونه ويشدون شعر رأسه وكان طويلا، لقد كان سعد بن عبادة رضي الله عنه قد اختاره النبي من بين الاثني عشر نقيبا - وطبقا لروايته فإنه حين أوسعته قريش ضربا طلع عليه رجل أبيض وضيء شعشاع حلو من الرجال فنظرت إليه وقلت في نفسي: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند هذا، فلما اقترب مني لطمني لطمة شديدة، فتأكدت أنه ليس فيهم بعد هذا خير.
وبينما هو كذلك قدم عليه رجل آخر، تأثر مما أنا فيه وقال: أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ ".
يقول: فقلت: بلى، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم وحارث بن أمية حفيد عبد مناف، فقد كنت أجير تجارتهم في بلادي مرات ومرات.
قال: فاهتف باسم الرجلين.
قال: وهكذا فعلت وخرج ذلك الرجل إليهما وقال لهما إن رجلا من الخزرج يضرب وأنه ليهتف بكما - فسألاه: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة - قالا: صدق، إن له علينا إحسان وفضل، فجاءا وخلصا سعد بن عبادة وانطلق إلى يثرب (١).
[الإذن للمسلمين بالهجرة]
بعد بيعة العقبة الثانية أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين، الذين لم يغادروا مكة، والذين واجهوا صنوف الأذى والعذاب حتى أصبح وطنهم بالنسبة لهم جحيما، في الهجرة إلى يثرب، ولم يحزن هؤلاء المؤمنون على الإطلاق لفراقهم الوطن والأقارب، والأب والأخ والزوجة والابن، بل فرحوا لأنهم سيتمكنون من عبادة الله وحده لا شريك له بحرية كاملة.
(١) ما هو الدرس الذي تضمنه حال سعد هذه؟ إن الابتلاء يبدأ من الله مع بدء إسلام المرء، ويكون الابتلاء بالجوع والظمأ وبالعداء من القوم والوطن، وبالإيذاء الجسماني وبنقص في الأموال، ومن يصبر على هذه البلايا والمصائب يستحق بذلك الوعد السرمدي الذي وعده الله لعباده الصابرين، وهو الوعد الذي ورد في القرآن والإنجيل والتوراة في شأن المؤمنين بأن الله يصلح لهم الدنيا والآخرة فالذين تمسكوا بالإسلام رغم كل هذه الشدائد والبلايا والمحن، كيف يقال إنهم أسلموا بقوة السيف؟ وكيف يكره هؤلاء أحدا على الدخول في الإسلام بقوة السيف؟