أما النجدة فهى ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وأما الشجاعة فهي كمال قوة الغضب الذي يحصل لانقياده للعقل. وقد حفظت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرات الروايات التي شهدها الرواة أنفسهم تدل على هاتين الصفتين له.
١ - من ذا الذي لا يعرف عليا رضي الله عنه ومواقفه وبطولاته وهو الذي قال: إنا كنا إذا حمى البأس واحمر الحدق اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
٢ - وهذا يوم حنين أمطر فيه الأعداء المسلمين بالسهام حتى غيروا وجهة الجيش الإسلامي الذي كان يضم اثنى عشر ألف رجل. وقد سأل رجل البراء بن عازب: أفررتم يوم حنين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" أنا النبي لا كذب ".
إن ركوبه على البغلة البيضاء دليل على الثبات والصمود فإن الفار إنما يحب الجواد السريع واختياره البغلة البيضاء دليل على الشجاعة فإن الناس ليختارون في الحرب ركوبا يتوارى في الغبار، ويختارون للجنود بذلك غبراء لهذا الغرض. أما ثباته في ساحة الحرب بعد فرار اثنى عشر ألف جندي دليل على بسالته. وكذلك تنويهه بالسمه ليعرفه من ليس يعرفه وترديده لهم الكلمة المثيرة لبغضهم كل ذلك لا يتأتى إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإلى هذا تشير رواية عباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه.
وفي صحيح مسلم: نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته.
إن من غاية الشجاعة أن يتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ببغلته نحو الذين فر عنهم اثنا عشر ألف جندي ويتقدم إليهم ماشيا حين أمسك رجلان من أهل البيت بغلته وهما عمه وابن عمه.
٣ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلا فانطلق أناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا قد سبقهم إلى الصوت، وقد استبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا.