والصديق، وهذا الحزن أفضل وأسمى من الحزن الذي جعله العشق حزنا مخيفا على سلامة الحبيب.
وليعلم أن المعية التي تكمل يتضمنها الاسم الأعظم ((الله)) أعلى كثيرا من ظلال جميع الأسماء الحسنى، وتكمل كمالات العارف بالسير في اسم ذات جميع الأسماء ورفعتها، وتسقط أسباب الكون وعلله كلها تتلاشى. وقد كان الوحي الذي جاء إلى أم موسى هو:
{ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}(القصص: ٧).
تأملوا الآية، إنها تضمنت شارة ضد الخوف الحسي، وبشارة ضد الخوف المعنوي. فالأولى أن الطفل الذي تلقيه في اليم يرده الله تعالى إليها، والثانية أن الطفل يكرم بنعمة النبوة التي لا تدرك بالحواس.
وبعد تدبر هذه الآيات يتضح معنى الحديث المذكور في العنوان، وهو أن الحزن الذي كان يلازم قلب النبي (ص) يتعلق بمغفرة الآثمين من الأمة أو هدايتهم.
كان قلبه (ص) مفعما بحب خلق الله والتعاطف مع عامة الناس والعطف عليهم وكان يفكر في نجاة كل فرد من أفراد الأمة كالراعي الذي يحمل هم كل رأس من غنمه، وهو
يعلم أنه لو تخلفت واحدة منها عن القطيع لصارت فريسة للذئاب، ومن هنا يتبع كل غنمه ينقذها من مهاوي الهلاك.
ولم يفارق هذا الحزن قلبه (ص)، فربما كان يقضي الليل كله داعيا لأمته، وقد وقع أن قضى (ص) ليلته كلها يردد الآية الكريمة:
{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}(المائدة: ١١٨).
٨ - والعلم سلاحي: اعلم أن أهل الزهد والتقوى من المتأخرين جعلوا منزلة العلم أقل من منزلة الحال، ولكن الأمر على العكس من هذا.
فالعلم حاكم والحال محكوم، والعلم هاد والحال تابع، والعلم إمام والحال مأموم، والعلم وسع الدنيا والآخرة، والحال منحصر في صاحبه، والحال كالسيف القاطع يقطع صاحبه إذا لم يحفظه العلم، والحال كالنار التي لا يسيطر عليها أحد، وهو فرس جامح يقع مع صاحبه في الهلاك إذا لم يلجم بالعلم.