من الأخوة ما يكون بين شخصين برابطة الدم، ولسنا في حاجة إلى توضيحها في هذا المقام، ويعترف في هذه الأخوة بحق الأخ من ناحية القانون والعرف والأخلاق، ويكون الأخ مجبولا على عون أخيه منذ طفولته ومع هذا لا يكون نطاق هذه الأخوة جد واسع، إذ توجد في التاريخ أمثلة كثيرة لمعاداة أخ لأخيه بحيث لا تصفو العلاقة بينهما طول العمر. أوردت التوراة كما أورد القرآن الكريم قصة قابيل وهابيل التي تبين أن قتل النفس الإنسانية بدأ بين أخوين.
وهناك أخوة أخرى تقوم على وحدة العقيدة، وهذا هو ما نقصده هنا في هذا الفصل.
إن الأخوة التي تحققت بين المسلمين بفضل النبي (ص) أعلى وأرفع، ومن العبث أن نبحث لها عن نظير في تاريخ العالم، فإن السماء والأرض عجزتا عن الإتيان بنظيرها، وتحقق العمل بالمؤاخاة في مكة والمدينة كليهما. وكان الهدف منها في مكة إيجاد الرابطة بين الصحابة، والنصرة على الحق، والمواساة، بينما كان الهدف منها في المدينة إيجاد الوحدة بين الأصحاب المكيين والأصحاب المدنيين. وكان أساسها توسيع دائرة الحب ودعم أواصر المودة.