ولما صرحوا للنبي (ص) بمشاعرهم في هذا الأمر لم يرد (ص) أدلتهم ولم يضعف أقوالهم بل قال (ص): ((إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري)).
وبهذا تبين مدى طاعة النبي (ص) وانقياده للرب، فلم تكن الحمية والحماية الظاهرة والعزة المشهودة وتأليف المسلمين الجدد وتعزير المرتدين لتمنعه (ص) من الإطاعة والانقياد.
وقد أثاب الله تعالى نبيه على هذا العمل العظيم أجرا عظيما مثله أو أعظم منه فجعل طاعته (ص) فرضا على العالمين جميعا:
{من يطع الرسول فقد أطاع الله}(النساء: ٨٠).
وقال:{إن تطيعوه تهتدوا}(النور: ٥٤).
١٦ - والجهاد خلقي: الجهاد هو استفرع الجهد في عمل ما وأعمال الفكر واستخدام الطاقة في أمر ما، والخلق هو الطبيعة والجبلة والخصلة الخلقية.
والجهاد الشرعي على قسمين: جهاد بالمال، وجهاد بالنفس.
يقول الله تعالى:{وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}(الصف: ١١).
إن الجهاد بالمال والتضحية به صعب جدا، والإيثار بالنفس أيضا مثله. ورب إنسان لا يبالي بمال في سبيل الحفاظ على النفس، ورب إنسان يخاطر بالنفس في سبيل الحصول على المال.
وعباد الله هم الذين يوفون ويضحون بالمال والنفس معا. وربما يحول المال والنفس بين الإنسان وبين أداء الواجب الشخصي والاجتماعي والخلقي، ولكن عباد الله المخلصين يضحون بكل شيء في سبيل مرضاة الله تعالى، يقول تعالى:{وجاهدوا في الله حق جهاده}(الحج: ٧٨).
والمراد بهذا الجهاد تحصيل العلم الإلهي والرضا الرباني والتقرب الإلهي وارتقاء الروح، ويقتضي هذا الجهاد القوة وإخلاص التوجه بالمعنى اللغوي والإيمان والعمل الصالح بالمعنى الشرعي بجميع الوجوه.
ومن معنى الجهاد إخضاع أعداء الله، وإعداد الوسائل المادية والمعنوية لإعلاء كلمة الله.