للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم في زمرة المعارضين ليست سهلة اليوم أيضا، وما نراه اليوم من تسهيل في التلاوة هو من بركات تلاوة النبي (ص) وتأثيرها، تلك التلاوة التي تحمل في سبيلها أنواعا من المصائب والنوائب.

وينبغي أن نعرف أن للتلاوة صورتين:

ألف: تلاوة الرجل لنفسه، ولها آدابها، مثل تحسين الصوت وحضور القلب والتفكر في المعاني والتعمق في الحقائق والمعارف.

ب: التلاوة على الآخرين، الآخرين من أعداء الدين، المعارضين للدين، الذين تنبو أسماعهم من الأصغاء له، وتأبى قلوبهم فيهم معانيه، فالمطلوب أن يتلى عليهم القرآن بحيث يتمثل أمامهم الثواب الأبدي، والعذاب الأخروي، والنعم الإلهية والرضوان الرباني، فترتعد أجسامهم وتخفق قلوبهم، وتنفتح عيونهم، وتتوقف طبائعهم عن أطوارها السابقة. إن هذا العمل كان من شأن النبي (ص) دون شك، والقرآن يشهد أنه (ص) قام به خير قيام، ولذا صار هذا الطريق من خصائصه (ص).

[الخاصية الخامسة عشرة]

{ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} (١)

الخطاب في الآية موجه إلى العالمين جميعا، والآية تبين شأن النبي (ص) فهو يعلم الدنيا كلها العلوم التي تجهلها.

أما المسيح صادق اللهجة فقد سبر استعداد المخاطبين وأهلية المستمعين فأعلن:

((إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذلك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق)) (٢).

وقول المسيح يدل على أن القدر الذي علمه قومه كان أقل من التعليم الذي بقى، وتدل هذه الفقرة على أن هذه القلة لم تكن بسبب نقص في المسيح، بل سببه أن المستمعين


(١) البقرة: ١٥١.
(٢) إنجيل يوحنا (١٦/ ١٢ - ١٣). الطبعة العربية اكسفورد ١٨٧١ م.

<<  <   >  >>