للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن هؤلاء المسلمين أنفسهم حينما خرجوا إلى اليهود المفسدين الماكرين الناقضين على بعد ثمانية أميال وهزموهم تبين للناس جميعا أن خشوعهم وخضوعهم مرده إلى التقوى، وعجزهم ومسكنتهم من أجل العمل بأحكام الدين الحقة، وهم كالأسود التي لاتهاجم أحدا إلا إذا تعرضت لمعاكسة أو مناوشة. والحاصل أن التنبؤ المذكور تحقق إبراز صفتين متعارضتين حميدتين للمؤمنين.

وقوله تعالى: {أنزل السكينة عليهم} في الآية المذكورة يتطلب مزيدا من التدبر، فمن تأثير السكينة الإلهية أن لا يتزلزل القلب في الزمن الآتي أبدا، وهكذا فإن ذلك تنبؤ بأن أهل بيعة الرضوان هم المؤمنون الذين لا يتزلزل إيمانهم أبدا.

تنبؤ عن غزوة الأحزاب: كان الهجوم في هذه الغزوة شديدا على المسلمين، فقد اشتركت فيه قبائل اليهود وقريش ونجد وكنانة، ثم إن يهود المدينة كانوا متواطئين مع المهاجمين، وكانوا يخبرونهم بمواطن ضعف المسلمين وتحركاتهم لحظة بعد لحظة، وبلغت القلوب الحناجر، وقد حملت هيبة الكفار وقوتهم المسلمين على التفكير العميق، وذلك أن جيوش الأعداء ضمت عساكر عديدة، وسمى كل منها حزبا، ومجموع العساكر جندا، وكانوا مغترين باتحادهم ضد المسلمين وباستعدادهم الحربي العظيم.

فاستمعوا إلى كلام الله تعالى، يقول:

{جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} (ص: ١١). ويقول:

{أم يقولون نحن جميع منتصر (*) سيهزم الجمع ويولون الدبر} (القمر: ٤٤ - ٤٥).

ووفق هذا التنبؤ وقعت الفرقة بين أحزاب القبائل المحاصرة بعد نزول الآية المذكورة بخمسة وعشرين يوما، فهرب الجميع في الليل. وبعد هذه الواقعة لم يجرؤ أحد على الهجوم على المدينة.

[تنبؤ عن عهود اليهود والمنافقين]

قال تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم} (الحشر: ١١).

<<  <   >  >>