لما أسلم عبد الله بن مسعود أراد أن يعمل في خدمة الإسلام وكان يريد أن يعمل عملا صعبا فأخبره الصحابة أن إسماع قريش هذا القرآن أمر صعب. فقال عبد الله: أنا، ثم أتى قريشا وقرأ عليهم القرآن، وعاد بعد فترة وجسمه ملطخ بالدماء وغيرت الجراح معالم وجهه.
وتدل هذه الواقعة على مدى صعوبة تلاوة القرآن على الناس، ولكن النبي (ص) كان مستمرا في هذا العمل ليل نهار، كان يحضر إلى أهل مكة حيث يجتمعون فيتلو عليهم آيات القرآن، ويلقى كل شخص بمفرده فيبلغه الرسالة الإلهية، وكان يقف في كل طريق خارج مكة، ويلقى المارة في ضوء النهار وظلمة الليل، فيتلو عليهم القرآن الكريم ويسمعهم الحكم الإلهي، ولم يترك سوقا شهيرة أو عيدا معروفا من أعياد العرب إلا وذهب إليه فبلغ الدعوة وتلا آيات القرآن ونشر الدين، وتشهد لتلاوته (ص) كل ذرة من ذرات عكاظ، وكل ورقة من أوراق أشجار الطائف.
تفكروا في جرأة تلك الشخصية الفذة وفتوتها ونجدتها وجلادتها فإنه أطلق لسانه في معترك العالم ضد جميع أفراد العالم بل أمم العالم، وأدان الجميع بحق، وكسر زجاج زعمهم بحجر البراهين، ورمى بأوثان الباطل على سندان الحق، لا يخاف الضرب ولا الضرر، بل يفتح قلبه وصدره للرمح والسهم، ولا يمسك لسانه عن إعلان التوحيد، إن نشاطه لا يجمد بجمود الناس، ولا يمكن لطمع المال والحكم أن يصده عن عمله، وهذا التفصيل يوضح مدى صعوبة وخطورة عملية تلاوة الآيات القرآنية، ومن خصائصه (ص) أنه قام بهذا العمل الشاق بأسلوب حسن، فبلغ نداؤه كل غافل وأيقظه من نومه، ثم أيقظ في النهاية الجميع.
ومن يرى اليوم تلاوة القرآن عملا سهلا، عليه أن يدرك أن مسألة تلاوة القرآن