ولكن العلم حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح ومؤنس المتوحشين.
والعلم هو الميزان الذي توزن به الأقوال والأحوال والأعمال، وهو الحاكم الذي يحكم بين الشك واليقين والضلال والرشد، وبه تحصل معرفة الله تعالى وتحميده وتمجيده وتوحيده.
وبه يفرق بين الحلال والحرام، وتظهر مدارج المواريث والأرحام.
قال الإمام أحمد بن حنبل (١): الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين في اليوم، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.
وفي البحث عن العلم اختار كليم الله موسى عليه السلام سفرا طويلا جعل من ثمرته ثلاث مسائل.
والعلم هو ما أمر الله نبيه (ص) بطلبه والدعاء له فقال:
{قل رب زدني علما}(طه: ١١٤).
انظروا إلى الكلب والصقر اللذين يربيان للصيد ويوصفان في العربية بالمعلم كيف يصلان بالعلم القليل إلى درجة أن صيدهما يكون حلالا وصيد غيرهما حرام. فهذا الكلب المعلم أو الصقر المعلم يستحق أن يشبه بالجارحة الإنسانية حين يبقى أبناء جنسه نجس العين فلماذا حصلا على هذه المنزلة لقد حصلا عليها بالعلم وحده لا لشيء غيره. وتذكروا أن العلم هو العلم الذي جعلت علامته الأولى إقامة الدليل وهويته الأخيرة رفع الجهل.
وللعلم ثلاث درجات:
١ - العلم الذي يحصل بقوة البصر والسمع وبالخبرة المتواترة.
٢ - والعلم الذي ينشأ في الأجسام الزكية والباطن الطاهر، ويحصل لأنفاسهم الصادقة لأهل الهمم العالية حينما يخيم السكوت في كل ناحية.