للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال الأسقف، يا أبا مريم أخبرنا ما رأيك؟

فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية (١) إسماعيل من النبوة، فيمكن أن يكودن هذا هو ذلك الرجل، لا يمكن أن يكون لي في النبوة رأي، لو كان الأمر من أمور الدنيا لأمكنني أن أنظر فيه وأقول فيه رأي.

قال الأسقف، حسشا تفضل بالجلوس.

ثم بعث الأسقف إلى شخص آخر يدعى عبد الله بن شرحبيل من قوم حمير، فأراه كتاب النبي وسأله عن رأيه فأجابه يمثل ما أجاب به شرحبيل، ثم بعث الأسقف إلى جبار ابن فيض بن الحارث بن كعب، فأراه الكتاب وسأله الرأي، فأجاب بما أجاب به من قبله.

وحين رأى الأسقف أن أحدا منهم لا يعطيه الجواب الشافي أمر بضرب الناقوس، ورفع المسوح عن الكنيسة، وقد كان هذا دستورهم إذا ما ألم بهم خطب عظيم، يضرب الناقوس وترفع المسوح في النهار وفي الليل يضرب الناقوس وترفع النيران على الجبال. وكانت هذه الكنيسة تشرف على ثلاث وسبعين قرية تضم أكثر من مائة وعشرين ألف مقاتل. وطول الوادي بقسميه الأعلى والأسفل مسيرة يوم لفارس.

وحين اجتمع أهل المنطقة، وكانوا كلهم من النصارى، قرأ عليهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسألهم الرأي والمشورة، فرأوا أن يرسلوا شرحبيل بن وداعة الهمداني،


(١) نجد في أسفار العهد القديم إحالات كثيرة عن وجود النبوة في بني إسماعيل.
أولا: كان وعد الله لإسحاق وإسماعيل على حد سواء.
ثانيا: أخبر كثير من الأنبياء عن آيات وعلامات لنبي يظهر بين العرب ولما كان العرب هم فقط بني إسماعيل فإن النتيجة التي نخرج بها من هذا الأخبار هي أن النبي الموعود يكون إسماعيليا.
ثالثا: إن ما ورد عن موسى عليه السلام في هذا الصدد واضح جدا، فقد ورد في سفر التثنية (١٨) [أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوحيه به] ويتضح من سفر التثنية الإصحاح ١٨ أن إخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ومحمد - صلى الله عليه وسلم - نبي كموسى، فهو صاحب كتاب وصاحب شريعة وهو مجاهد ومهاجر وغاز، والمقصود من عبارة الكلام في الفم هو حفظ أصل كلمات الوحي، وهذه خاصية قاصرة على القرآن الكريم ولم ينل هذه المنزلة أي سفر من أسفار العهد القديم أو العهد الجديد، ولنقرأ أيضا الخبر الثاني عن موسى عليه السلام: [جاء الرب من سيناء، وأشرف لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وعن يمينه نار شريعة لهم. جاء مع جنود الملائكة] سفر التثنية الاصحاح ٣٣ وهنا ذكر اسم فاران وهو اسم جبل بمكة، ولعل شرحبيل لاحظ هذه الإحالات فتكلم بما قاله.

<<  <   >  >>