للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان أمر مكة في تلك الأيام بيد خزاعة، فزوج حليل رئيس مكة ابنته جبى من قصي وأعطاها حق ولاية البيت في نكاحها، وجعل أبا غبشان وليا لها. فلما هلك حليل، باع أبو غبشان قصي مفاتيح الكعبة بزق خمر، وصارت ولاية البيت إلى قصي، وأبت خزاعة أن تمضي ذلك لقصي فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة، وكثرت القتلى في الفريقين جميعا. فحكموا يعمر بن عوف فقضى بينهم:

١ - بأن يدفع قصي دية كل من مات من بني خزاعة.

٢ - وأن يترك بنو خزاعة أمر مكة، وأن يخرجوا منها، وأن يتولى أمرها قصي فجرى العمل بذلك (١).

فلما ولي قصي أمر مكة، جمع قومه من بني فهر من منازلهم إلى مكة، وكانوا حينئذ اثنى عشر فرعا كلهم نزلوا بمكة بجهود قصي.

وأخذت قريش (أولاد فهر) مأخذ الشرف والمجد في البلاد كلها.

وسمى قصي قصيا لأنه كان بعيدا عن بلده منذ صباه، وسمى مجمعا لأنه جمع شمل قبائل قريش، قال الشاعر القديم حذافة بن غانم (٢):

قصي لعمري كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر

ولا يغبن عن البال أن المؤرخين غير المسلمين يغلون في بيان مآثر قصي ويقولون إنه هو الذي أقام الحكم على مبدأ الشورى ويقصدون بذلك بيان أن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من تعاليم كانت شرحا لهذا المبدأ.


(١) كان أمر بيت الله قد صار بعد إسماعيل عليه السلام إلى بني جرهم وكانت بنو جرهم أصهارا لإسماعيل، بيدهم كان أمر مكة وولاية البيت عدة قرون، ثم أصبح أمر مكة وولاية البيت في حوزة العمالقة، ثم تولى بنو جرهم البيت وأمر مكة مرة ثانية. ولما ظلموا أخرجهم عمرو بن لحي الخزاعى الذي كان ابن أخت بني جرهم في مكة، واستمرت مظالم بني جرهم وروج عمرو بن لحي الوثنية سنة ٢٠٧ م. وكان قد رأى العمالقة بمصر والشام يعبدون الأصنام، وسمع بأنها تقضي حوائجهم فحمل منها صنما يسمى هبلا فنصبه على الكعبة. ثم أكرم الله بني إسماعيل بولاية البيت في زمن قصي سنة ٤٤٠ م، وأكرم البيت بحيث جعله قبلة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الميمون، وهدمت الأصنام والأوثان كلها.
(٢) هذه القصيدة قالها ابن غانم في مدح عبد المطلب ومطلعها:
بنو شيبة الحمد الذي كان وجهه ... لفي ظلام الليل كالقمر البدر

<<  <   >  >>