قال الله تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}(سورة الروم: ٢١).
وإذا كان ما ورد في هذه الآية صفة للزوجين بوجه عام، فلابد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه مظهرا تتمثل فيهم هذه الصفة بالضرورة، وثبت بحكم علام الغيوب أن أزواجه - صلى الله عليه وسلم - كن مبعث سكون له، وكانت قلوبهن عامرة تجاهه بالحب والمودة، كما كان قلبه عامرا بالرأفة والرحمة لهن، ومن هنا اتضحت فضيلة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ـ[الفضيلة السادسة]ـ: وهي أن الله تعالى امتحن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيرهن بين أمرين يخترن من بينهما ما شئن. فقال:
{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (...) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}. (سورة الأحزاب: ٢٨ - ٢٩).
تذكر الآيات أن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جانب "الدنيا وزينتها" وفي جانب آخر "الله ورسوله والدار الآخرة" ففي الصورة الأولى كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسرحهن سراحا جميلا، وفي الصورة الثانية يعد الله لهن أجرا عظيما.
ولما كان هذا حكما تبليغيا فلا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغه إلى أزواجه، وعلينا الآن أن نبحث عن النتيجة، فهل اختارت أزواجه الدنيا وزينتها؟ لو كان الأمر كذلك لسرحهن أو سرح إحداهن سراحا جميلا، امتثالا لأمر الله، ولكن كتب التاريخ الخاصة بجميع الفرق الإسلامية قد اتفقت على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسرح أيا من أزواجه. ومن هنا ثبت دخولهن في ما في الصورة الثانية من البشرى والأجر العظيم. وتؤيده آية أخرى إذ يقول الله تعالى:{لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن}(سورة الأحزاب: ٥٢).
ففي الآية الأولى خير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسرحهن، أما في الآية الثانية فقد سلب منه هذا الخيار، فلم يعد يحل له أن "يتبدل بهن من أزواج" وهكذا أوضح أنه لما ثبت أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يردن الله ورسوله والدار الآخرة، اختارهن الله لنبيه للأبد، ولم يبق له خيار أن يتبدل بهن من أزواج. وظهر من هاتين الآيتين موقف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من العقائد