للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه" (١)

هذا الحديث يدل على أن نكاح عائشة الصديقة رضي الله عنها كان قد تقرر في حظيرة القدس وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل هذا النكاح من عند الله.

ـ[امتحان الحب]ـ: وقد ابتليت عائشة رضي الله عنها بامتحان صعب في حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين أبطأت ناقتها في الوصول إلى المعسكر في غزوة الأنمار، فقال المنافقون في حقها كلاما سيئا، ومثل هذا الأمر هو للنساء أمر صعب ومصيبة ما بعدها مصيبة. ولكن تجلت هنا قوة إيمانها ونقاء فطرتها في أروع مظاهرها. ولما سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمرها قالت لأبويها: لئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة منه لتصدقوني فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (٢).

وقالت: وايم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا ولكن قد كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نومه شيئا يكذب به الله عني، فبينما هم كذلك إذ نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، وأنزل الله براءتها وجعلها طيبة، وأخبر بأن لها مغفرة ورزقا كريما وأن الإفك لم يغض من شأنها، بل زادها فضلا ورتبة حتى دوت لنقائها وطهارتها الأرض والسماء وأنزل الله فيها من القرآن ما يتلى في المساجد والمحاريب ويصلى به حتى تقوم الساعة. وكل من يتلو قول الله {الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} ينظر إلى طهارة عائشة نظرته إلى طهارة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووالله ليس ذاك إلا لما كان في عائشة من تواضع وإنكار الذات حتى أحقرت نفسها من أن ينزل فيها قرآن، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة وأن هذا الأمر قد بلغ أذاه إلى أبويها، وتألم له قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلوب المؤمنين جميعا. ومع ذلك كله جعلت نفسها أصغر من أن ينزل الله فيها قرآنا، ولكن الله يرفع الذين يتوبون إليه درجات.


(١) البخاري في النكاح (٦/ ١١٩)، وفي التعبير ٨/ ٧٥ - ٧٦)، ومسلم في فضائل الصحابة (٢/ ٨٨٩ رقم ٢٤٣٨).
(٢) صحيح البخاري باب غزوة أنمار (٥/ ٥٩).

<<  <   >  >>