الميتة، نأتي الفواحش، نقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، لم يكن عندنا قانون ولا نظام، فكنا على ذلك حتى بعث الله فينا رسولا منا، نعرف جيدا حسبه ونسبه وصدقه وأمانته، وتقواه وعفافه، فدعانا إلى التوحيد، وأفهمنا ألا نشرك بالله الواحد الأحد، ومنعنا من عبادة الأحجار والأوثان، وأمرنا أن نصدق الحديث، وأن نفي بالوعد، ونبتعد عن المعاصي، ونهانا عن الفواحش، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصوم، فعادانا قومنا لما نحن عليه، وراحوا يعذبوننا بكل ما استطاعوا ليردونا عن عبادة الله وحده لا شريك له إلى عبادة الأوثان، وذقنا على أيديهم الأذى والظلم، وحين أردنا الهجرة اخترنا أن نهاجر إلى بلدك" (١).
فقال النجاشي بعد أن سمع الخطبة: أسمعني القرآن، فأسمعه جعفر رضي الله عنه سورة مريم، فتأثر النجاشي وبكى، وقال: "محمد هو الرسول الذي أخبر به يسوع المسيح، الحمد لله على أنني عاصرت زمان هذا الرسول" وأمر النجاشي بإخراج كفار مكة من البلاط -.
ولما رأى كفار مكة أن الذهاب حتى إلى الحبشة لم يعد عليهم بفائدة. قالوا: تعالوا نغري محمدا أولا وبعدها نهدده فسوف يوافقنا بشكل ما.
بعد هذه المشورة قدم أحد رؤساء مكة من الأغنياء الموسرين ويدعى عتبة بن ربيعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال له:
"يا ابن أخي! إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا وثروة، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكا، جعلناك ملكا على العرب أجمعين، نحن على استعداد أن نلبي لك كل ما تريد على أن تترك هذا الطريق، وإن كان بعقلك مس، فأخبرنا حتى نطلب علاجك".
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما قلته عني ليس فيه شيء من الصواب، لاحاجة لي بالمال أو الشرف أو الثروة أو الملك، وليس بعقلي مس، ويمكنك أن تعرف حقيقة دعوتي من آيات القرآن الكريم التالية: بسم الله الرحمن الرحيم {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون