للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانتظار وانتهت الظنون التي نشأت بسبب اجتماع الشوق والإرادة، أو اللوعة والاحتراق التي أحمت القلب.

حبيبي ما هو الوداع؟

وأين القلى؟

الرب الذي رباك.

والذي رعاك من آدم إلى الآن في أطوار {وتقلبك في الساجدين} (١).

والذي أحصن وطهر ظهور وبطون آبائك الكرام وأمهاتك العظام. والذي حافظ عليك في اليتم كالدر اليتيم. والذي نجاك من متاعب العيال مع كثرتهم. والذي جعل لك جبل حراء طورا.

والذي ملأ، بدون لمعان النار الظاهري، عينيك نورا وقلبك سرورا، وروحك راحة وإيمانك يقينا.

لا يمكن أن ينسب إليه الوداع والقلى (٢).

والآن نزف إليك بشرى سارة، وهي أن الزمن القادم يكون أطيب وأحسن مما سبق (٣).

إن قوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق} (٤) كان بداية لتلك المدرسة، حيث


(١) سورة الشعراء: ٢١٩.
(٢) جاء في الصحيحين عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله (ص) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل {والضحى والليل إذا سجى (*) ما ودعك ربك وما قلى}. ويتضح من هذا أن هذه المرأة استخدمت لفظة قلى فنزلت الآيات السابقة ردا عليها.
(٣) لاشك أن كلمة ((الآخرة)) في الآية أريد بها دار الجزاء، ولكن جاء إطلاقها بمعنى أوسع أيضا، كما في قوله تعالى: {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} (العنكبوت: ٢٠) وفي قوله تعالى: {ما سمنا بهذا في الملة الآخرة} (ص: ٧) فالآخرة يراد بها الزمن القادم أيضا.
قال الخازن: وحمل الآخرة على ظاهرها من خيري الدنيا والآخرة معا أولى (لباب التأويل ٧/ ٢١٥).
(٤) سورة العلق: ١.

<<  <   >  >>