الأسلوب، وأكثر من هذا كله يعني معاني القرآن المقدسة التي تضمنتها الألفاظ تضمن الحلل البديعة للدرر الفريدة.
إن المعاني البديعة التي يحتوي عليها القرآن وتعد من خصائصه، هي البصائر التي تزيل حجب العيون القاصرة وتنور الأبصار، يقول تعالى:
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (*) وإلى السماء كيف رفعت (*) وإلى الجبال كيف نصبت (*) وإلى الأرض كيف سطحت} (الغاشية: ١٧ - ٢٠).
أشارت الآية الكريمة هنا إلى الإبل والسماء والأرض والجبال، أفلم تكن هذه الأشياء بمرأى ومشهد من كل بدوي؟ وأنه مع رؤيته إياها لم يهتم بالنظر في خلقها ورفعتها ومكانتها وفسحتها. ولما فتح القرآن الكريم عيونهم أدركوا كيفية هذه المعاني، وتجلت في كل شيء قدرة الخلق للخلاق المطلق، ورفعة رفيع الدرجات ذي العرش، وعزة العزيز الحكيم، وحكمته في خلق السكون والحركة، وتوفر الفوائد المتنوعة في صلابة الأجسام ولينها.
وهكذا صارت بوادي العرب المخيفة وأوديتها المهيبة أوراقا للفهم والعبرة أمام طلاب صحف الفطرة.
نعم، إن القرآن علم بالنظر إلى معانيه {أنزله بعلمه}(النساء: ١٦٦).
وخزينة العقل للسمع والبصر والفؤاد، وهداية للقوى المدركة والحواس الجارحة، إنه حياة القلب ونور الروح وراحة العاشقين وهداية الطالبين، تخدمه العظمة والثروة والتمكن في الأرض والسلطة، وتتبعه راحة القلب وأنس النفس وقرة العين وضياء البصيرة، ويحمل رايته العلم والحقيقة والصدق والهدى، ويرفع حاشيته القرب والانشراح والخير والفلاح. وتمنح خلع النجاة الأخروية والفوز الروحي والرضوان الإلهي من بين طياته.
فليت أصحاب العيون فتحوا له العيون، وأصغى لندائه أصحاب السمع، وأزال أصحاب القلوب الغشاوة عن قلوبهم وفتحوا أقفالها المغلقة، حتى يتجلى لهم نور جمال القرآن وضياؤه وهداه.