للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان عمر الفاروق يرعى إبل أبيه الخطاب، خائفا من فظاظته وغلظته (١)، ثم صار يحكم أيام خلافته على رقعة بلغت مساحتها نحو ثلاثة ملايين كيلو مربعا، وكانت عدالته في الحكم ومراعاته للشعب وتمسكه بالدين مضرب المثل وموجب الغبطة. تأملوا في كفاءته للحكم وصلاحيته لفتح البلاد، لقد أخضع ثلاث قارات لحكمه، ولم يتيسر له ذلك إلا بالعمل بتعليم القرآن الكريم.

وكان خالد بن الوليد قد هزم في غزوة مؤتة بمساعدة جنوده المتطوعين جنود روما النظاميين خبراء الحرب، وكان عددهم يزيد على جيش المسلمين بخمسين ضعفا. انظروا كيف نشأت فيهم هذه العزيمة والهمة والثبات والشجاعة والتضحية والفداء. لو بحثنا بالفكر الصحيح والرغبة الصادقة لعرفنا أن السبب الحقيقي لهذه الإنجازات هو القرآن الكريم، الذي جاء به الرسول (ص) إلى محبي الإيمان هؤلاء.

قبولية القرآن وتأثيره: من القبولية التداول بين الناس وكثرة الانتشار بينهم. تأملوا، لا يوجد الآن على وجه الأرض كتاب يقرأه ويسمعه يوميا أربعمائة مليون (٢) شخصا خمس مرات، صحيح أن ثروة أوربا زادت كثيرا في عدد الأناجيل المطبوعة، ولكن لا يكفي هذا الأمر وحده في التداول والانتشار، إذ إن معنى التداول استخدام الشيء في الغرض الذي أعد له، وهذه الصفة لا تتحقق إلا في القرآن الكريم وتعني القبولية العظمة والاحترام الذي رسخ في القلوب نحو الكتاب.

كان أصحمة النجاشي نصرانيا، وتلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة مريم وكان أصحمة على عرشه، فجعل يبكي ويروي بدموعه رياضه في الجنة (٣)، وكان عمر الفاروق أيام خلافته ذاهبا إلى المجد مرة إذ وقع مريضا فاتكأ إلى جدار وجلس ثم حمل إلى البيت، وعلم بعد السؤال عما أصابه فجأة، أنه سمع قارئا للقرآن يقرأ آية العذاب فتغيرت حالته (٤).

كان لبيد العامري شاعرا مبدعا يضرب المثل بأشعاره، وقد قيل فيها: اكتبوها على الحناجر ولو بالخناجر، وقيل إنه جاء مرة ليقابل عمر، فأكرمه أمير المؤمنين واستنشده


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٢٦٦.
(٢) ازداد عددهم اليوم فبلغ أكثر من ٩٠٠ مليون.
(٣) ابن هشام ١/ ٣٦٠.
(٤) حلية الأولياء ١/ ٥١.

<<  <   >  >>