للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين إخوة موسى نبيا مثل موسى، واليهود تأمل في أن يكون هذا منهم وعلى هذا الأمل أقاموا في المدينة فلعل نبي بني إسرائيل القادم يزيل عنهم تدهورهم القومي ويحيي لهم مجدهم الضائع وبأسهم وسلطتهم التي زالت، ومنذ إخراج اليهود من الشام، ضربت عليهم الذلة والعبودية، ومنذ ذلك الوقت واليهود ينتظرون بأمل أكبر ظهور النبي الموعود.


= "يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلي"
ووردت عبارات أوضح في نفس الاصحاح (١٨، ١٩)
"أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه".
ويستدل المسلمون - بالنظر إلى هذه الآيات - على ما يلي:
أ - أن بني إسماعيل أخوة لبني إسرائيل (انظر سفر التكوين الاصحاح ١٦ - ١٢ و٢٥ - ١٨)
ب - لم يكن في بني إسرائيل نبي مثل موسى (سفر التثنية باب ٣٤: ١٠)
ومن هنا يتضح أن هذه النبوءة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد ورد في وصفه - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى يجعل كلامه في فمه، وهذه صفة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يوجد غير القرآن الكريم كتابا حفظت فيه آيات "كلام الله" أو وصل وحيه لفظا ومعنى، فاليهود والنصارى يقرون ولا ينكرون أنه لا يحفظ في التوراة من كلام الله سوى الوصايا العشر، وفي صحف الأنبياء الآخرين من غير موسى وبخاصة في الإنجيل، لم تحفظ كلمات الله التي نزلت بالوحي السماوي.
وبعد هذا الرأي القاطع يبقى موسى عليه السلام من بين الأنبياء كلهم الذي يتماثل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالكلام، وبينهما مماثلة قوية في عدة أمور منها أنهما صاحبا هجرة، وصاحبا شريعة وصاحبا جهاد، وكلاهما أوحى إليه في بداية الحادية والأربعين، وهذه الأمور لم توجد مجتمعة بعد موسى في نبي من أنبياء بني إسرائيل، ولكنها توجد في نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ينبغي أن نفكر جيدا ونتدبر في هذه المماثلة التي أوضحها سفر التثنية، وصدقها القرآن الكريم بقوله: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}
وانظروا في جميع أسفار العهد القديم والعهد الجديد، فسنجد أن أي كتاب لم يشر إلى هذه النبوءة أي الصفة ولم يستدل بها سوى القرآن الكريم، ولا شك أن هذه الصفة خاصة خصوصية كاملة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويجب أن نتذكر أن كلمة "من وسطك" التي وردت في التثنية (الاصحاح ١٨: ١٥) هي كلمة ملحقة على النص وليست بأصل فيه وهناك ثلاثة دلائل على ذلك:
الأول: أن هذه الكلمة لا توجد في التوراة اليونانية.
والثاني: أن نفس الاصحاح (١٨: ١٩) أعاد هذا التنبؤ بكامله دون ذكر هذه الكلمة.
والثالث: أن لوقا ذكر هذه الآية في أعمال الرسل الاصحاح الثالث (آية ٢٢، ٢٣) [[ص:١٩٤] ط العربية، ولم يذكر فيها كلمة "من وسطك"] [وقد وردت هكذا ... فإن موسى قال للآباء إن نبيا مثل سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به].

<<  <   >  >>