شأنها. ولما كانت البشرية لن تنفك عنهم في الحقيقة، فإن العقيدة المذكورة أساءت إلى مكانتهم، فالإسلام هو الذي رفع مكانة الإنسانية، وأثبت البشرية لعباد الله المختارين فرفع مكانتهم من الناحية الروحية إن الإسلام يفند بقوة الزعم القائل بأن الإنسان لن يصل إلى منزلة الهداية والإرشاد إلا إذا حلت الألوهية في جسمه البشري، ونشأ عن فساد هذا الأصل الخاطئ أن اختار كل ظالم جبار في العالم لنفسه المنزلة التي أثبتها أتباع الديانات الكبرى لمؤسسيها، فقال فرعون مخاطبا رعيته:{أنا ربكم الأعلى}(النازعات: ٢٤)، وقال لأهل بلاطه:{يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري}(القصص: ٣٨)، ولما بين له موسى كليم الله توحيد الله وتقديسه وأوضح له أن رب العالين هو الذي يملك السماء والأرض وما بينهما، لم يؤمن بذلك، ولما بين له أن رب العالمين هو الذي خلق آباءكم الأولين، لم يذهب جنونه، ولما بين له أن رب العالمين هو الذي خلق الكون كله من الشرق والغرب، لم يستقم عقله. ولذا قال بعد الاستماع إلى جميع الأدلة المذكورة:{لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين}(الشعراء: ٢٩).
وهكذا ادعى جبار أحمق أمام إبراهيم عليه السلام أنه يملك الموت والحياة، وكان يزعم أن صلب البرئ يعني القدرة على الموت، والعفو عن مستحق القتل يعني الحياة، ومنشأ هذا الخطأ كله هو الجهل الإنساني.
والإسلام يهدي إلى الحفاظ على علو الألوهية، وإلى رفع منزلة الإنسانية إلى وضعها السليم، ولذا صرح القرآن الكريم بأن جميع المتبوعين والمقدمين بشر وعباد قد خلقهم الله تعالى.
{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إلهيم}(الأنبياء: ٧).
{وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين}(الأنبياء: ٨).
{بل عباد مكرمون (*) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} (الأنبياء: ٢٦ - ٢٧).
فقد صرح إثباتا لبشريتهم أنهم لم يستثنوا من الأكل والشرب، وولدوا في وقت محدد، ثم ارتحلوا إذا جاء أجلهم، ودل على فضلهم بأنهم كانوا أهل وحي ورسالة، ولهم درجة ومنزلة، عند الله تعالى.
وقد بين معاملتهم مع الله فألسنتهم وجوارحهم كانت خاضعة لأمر الله وتوجيهه، فلم يكونوا ينطقون بحرف دون إذنه، ولا يتأخرون في امتثال أمره.