ونحن - عندما نتتبع الكتب المؤلفة عن العامية - نجد أنها سارت في طرق متعددة، وسلكت مناهج متباعدة، نظرا لكثرتها، واختلاف نظر مؤلفيها وغايتهم، وتطاول الزمن الذي ألفت فيه.
أما أقدم الكتب فلم تتبع طريقا معينا، ولا التزمت ترتيبا محددا، وانما اعتمدت على الخاطر، تسجل ما يرد عليه. ويمثلها كتاب لحن العامة» لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي المتوفي في ١٩٨ هـ، و «درة الغواص في أوهام الخواص» لأبي محمد القاسم بن علي الحريري المتوفي في ٥١٦ هـ، و «سهم الألحاظ في وهم الألفاظ» لمحمد بن ابراهيم بن الحنبلي، المتوفي في ١٠٢٨ هـ.
ثم ظهر لون ساذج من الترتيب. فقد عمد بعض المؤلفين الى تقسيم كتابه الى فصول، معتمدا على نوع التحريف الذي أحدثته العامية في الكلمة، ويتمثل هذا الترتيب في «اصلاح المنطق» لأبي اسحاق يعقوب بن السكيت المتوفي في ٢١٦ هـ، و «أدب الكاتب» لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفي في ٢٧٦ هـ، و «الفصيح» لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتوفي في ٢٩١ هـ، و «لحن العامة» لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي المتوفي في ٣٧٩ هـ، و «تثقيف اللسان وتلقيح الجنان» لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي المتوفي في ٥٠١، و «» التكملة فيما يلحن فيه العامة» لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفي في ٥٤٠ وغيرهم.
ولجأ المتأخرون - من الملتزمين بهذا الترتيب - الى اتمامه، باتباع الترتيب الألفبائي في داخل الفصول. ولم أجد هذا الترتيب المزدوج الا عند صديق بن حسن خان القنوجي في كتابه «لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من العربي والدخيل والمولد والأغلاط» الذي ألفه في ١٢٩٦ هـ/١٨٧٨ م.
وكان ذروة الترتيب النظام الألفبائي يخلص له الكتاب كله. وسار الذين اتبعوا هذا النظام في طريقين. فقد رأى بعضهم ما بين العامية والفصحى من تباعد، فاعتقد أن ذلك يقتضي نهجاً خاصاً بالعامية لا تشاركها فيه الفصحى، فغض النظر عن نظام الحروف الأصلية الذي تلتزم به معاجم الفصحى، ورتب الكلمات في كتابه وفق حروفها كلها، سواء كانت أصلية أو مزيدة. فعل ذلك أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي