للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْمَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلُ (مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) حَالَةَ التَّيَمُّمِ (وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ) بِالْمُثَلَّثَةِ حَالَةَ التَّيَمُّمِ مِنْ الْعُضْوِ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُتَقَاطَرِ مِنْ الْمَاءِ، وَالثَّانِي يَقُولُ: التُّرَابُ لِكَثَافَتِهِ يَدْفَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَمْ يُعَلِّقْ مَا تَنَاثَرَ مِنْهُ بِالْعُضْوِ بِخِلَافِ الْمَاءِ لِرِقَّتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا ذُكِرَ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ النَّجِسِ، وَهُوَ مَا أَصَابَهُ مَائِعٌ نَجِسٌ وَجَفَّ

(وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ) أَيْ التُّرَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: ٦] أَيْ اقْصِدُوهُ بِأَنْ تَنْقُلُوهُ إلَى الْعُضْوِ (فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ وَنَوَى لَمْ يُجْزِئْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ لِانْتِقَاءِ الْقَصْدِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقَّقِ لَهُ، وَقِيلَ: إنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ أَجْزَأَ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا لَوْ بَرَزَ فِي الْوُضُوءِ لِلْمَطَرِ (وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ) بِأَنْ نَقَلَ الْمَأْذُونُ التُّرَابَ إلَى الْعُضْوِ وَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ وَنَوَى الْآذِنُ (جَازَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرُ إقَامَةٍ لِفِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ) وَلَوْ يُمِّمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِئْ كَمَا لَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ.

ــ

[حاشية قليوبي]

قَالَ الْإِمَامُ: بِحَيْثُ لَا يُرَى، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ اُعْتُبِرَتْ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمَاءِ لَكَانَ مَسْلَكًا، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ بِمَعْنَى لَوْ اُعْتُبِرَ التُّرَابُ مَاءً وَفُرِضَ الْخَلِيطُ مُخَالِفًا وَسَطًا. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْمَاءِ) وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْخَلِيطَ فِي الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْبَشَرَةِ لِرِقَّةِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْخَلِيطِ هُنَا لِكَثَافَةِ التُّرَابِ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ) فَهُوَ كَمَا فِي وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَصِحُّ بِتُرَابٍ غَسَلَاتُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَإِنْ طَهُرَ وَلَا بِمَا لَاقَى فِي الْمَحَلِّ مِنْ حَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَكَرُّرُ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الطَّاهِرِيَّةُ لَا الطَّهُورِيَّةُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَيْ الْمُسْتَعْمَلُ) فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَتَقَدَّمَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ الْخَبَثِ. قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) أَيْ الْمَمْسُوحِ أَوْ الْمَاسِحِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَرَدُّدِهِ فِيهِمَا، وَهَذِهِ الْمُحْتَرَزُ عَنْهَا بِقَوْلِ، الرَّافِعِيِّ، وَأَعْرَضَ الْمُتَيَمِّمُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (حَالَ التَّيَمُّمِ) احْتِرَازًا عَمَّا عَلَى عُضْوِهِ قَبْلَ الْمَسْحِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ قَبْلَ الْمَسِّ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ فِيهِمَا، أَمَّا الْمُتَنَاثِرُ بَعْدَ الْمَسِّ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَأَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) .

قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْوَجْهُ وَاهٍ جِدًّا أَوْ غَلَطٌ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالصَّحِيحِ، ثُمَّ إذَا تَأَمَّلَتْ ذَلِكَ وَجَدْت مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا شَكَّ فِي إصَابَتِهِ وَعَدَمِهَا، وَأَمَّا مَا عُلِمَ مِنْ إصَابَتِهِ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا، وَمَا عُلِمَ مِنْ عَدَمِهَا فَيَصِحُّ بِهِ جَزْمًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مَعَ الِاحْتِمَالِ لِوُجُودِ السَّبَبِ كَمَا فِي بَوْلِ الظَّبْيَةِ فِي الْمَاءِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّجَسِ الْمُتَنَجِّسُ. قَوْلُهُ: (مَائِعٌ) وَمِنْهُ صَدِيدُ الْمَوْتَى فِي مَقْبَرَةٍ نُبِشَتْ، وَهَذَا لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَمِثْلُهُ تُرَابٌ وَقَعَ فِيهِ ذَرَّةٌ مِنْ نَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ وَاشْتَبَهَتْ فِيهِ وَإِنْ كَثُرَ، أَمَّا الْمَائِعُ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فَيَطْهُرُ التُّرَابُ مِنْهُ بِالْغَسْلِ، وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا جَفَّ.

قَوْلُهُ: (قَصْدُهُ) أَيْ التُّرَابِ بِخِلَافِ قَصْدِ الْعُضْوِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَنْقُلُوهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ النَّقْلِ بِالْقَصْدِ وَلَيْسَ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ لِأَجْلِ النَّقْلِ، فَهُوَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِلْقَصْدِ. وَقِيلَ إنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ التَّصْرِيحُ بِهَذَا. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ الْعُضْوِ وَلَمْ يُحَرِّكْهُ لِأَخْذِ التُّرَابِ بِهِ وَإِلَّا كَفَى أَخْذًا مِنْ التَّمَعُّكِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (فَرَدَّدَهُ) أَيْ بِغَيْرِ انْفِصَالِهِ عَنْهُ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا كَفَى كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِضَمِّ أَوَّلِهِ) اخْتَارَهُ عَلَى فَتْحِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْفَسَادُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنْ قَصَدَ إلَخْ) وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ مَرْدُودٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ قَوِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ يُمِّمَ) أَيْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا عُذْرٍ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ مَعَهُ بَلْ وَاجِبٌ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (وَنَوَى الْآذِنُ) أَيْ عِنْدَ نَقْلِ الْمَأْذُونِ وَعِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا لَوْ نَقَلَ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (إقَامَةً لَفِعْل مَأْذُونِهِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَتَمْيِيزِهِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا خِلَافَهُ، فَيَكْفِي كَافِرٌ وَحَيَوَانٌ كَقِرْدٍ وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ لِأَنَّهُ آلَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ يُمِّمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْنِهِ نِيَّتُهُ لَا أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ فَيَكْفِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ، بَلْ وَمَعَ نَهْيِهِ.

ــ

[حاشية عميرة]

ضَابِطَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ظُهُورُ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي الرَّافِعِيَّ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ كَمَا فِي الْمَاءِ لَكَانَ مَسْلَكًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالثَّانِي يَجُوزُ) لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ (كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي مَاءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ) .

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ الْمُتَيَمِّمُ عَنْهُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ وَتَيَمَّمَ بِهِ جَازَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَلَمْ يُعَلَّقْ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَا مَانِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>