للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

(التَّاسِعُ، وَالْعَاشِرُ، وَالْحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا) مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (سَلَامٌ رُكْنَانِ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ) أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ سَلَّمَ؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَالتَّشَهُّدُ مِنْهُ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَخْ " وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَحَلُّهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ (وَكَيْفَ قَعَدَ) فِي التَّشَهُّدَيْنِ (جَازَ وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بِحَيْثُ يَلِي

ــ

[حاشية قليوبي]

التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، فَتُسَنُّ لَهُ، وَخَرَجَ مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا.

قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ) أَيْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِمَا رُكْنَيْنِ، فَلَيْسَ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَوَّلُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ الصَّلَاةِ) نَصَّ عَلَيْهَا لِأَجْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنْ عَقِبَهَا سَلَامٌ لَا لِسُكُوتِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ جَعْلَ التَّشَهُّدِ شَامِلًا لَهَا لِتَدْخُلَ فِيهِ مَعَ قُعُودِهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُهَا بَعْدُ لِبَيَانِ وُجُوبِهَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهَا كَبَعْضِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ الْمَنْدُوبَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إنْ عَقِبَهُمَا) الْمُرَادُ بِالْعَقِبِ الْبَعْدِيَّةُ، وَغُلِّبَ فِي ذَلِكَ التَّشَهُّدُ عَلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ السَّلَامَ فِيهِ لَا عَقِبَهُ، كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَنْهَجِ أَنَّ عَقِبَهُمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ الرَّاجِعِ لِلتَّشَهُّدِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنْسَبُ مِمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ ضَمِيرِ غَيْرِ التَّثْنِيَةِ الرَّاجِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ: التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ وَالْقُعُودِ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ قُعُودُهُمَا خَرَجَ قُعُودُ السَّلَامِ أَوْ الْقُعُودُ مُطْلَقًا، لَزِمَ كَوْنُ السَّلَامِ عَقِبَ قُعُودِهِ، وَكُلُّ بَاطِلٍ وَفِيهِ تَسَمُّحٌ أَوْ الرَّاجِعُ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَقَطْ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ وُجُوبَ التَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ الْآخِرِ وَفِيهِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (رُكْنَانِ) وَالرُّكْنُ مِنْ التَّشَهُّدِ أَلْفَاظُهُ الْوَاجِبَةُ، وَمِنْ الْقُعُودِ مَا قَارَنَهَا مَعَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ الْعِبَارَةُ. قِيلَ: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: الرُّكْنُ مِنْ الْقُعُودِ جُزْءٌ بِطُمَأْنِينَةٍ وَلَوْ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، كَمَا قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: هُنَا وَالْقُعُودُ لَهُمَا أَيْ التَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْوَجْهُ مُسَاوَاةُ مَا هُنَا لِمَا هُنَاكَ وَلَا مُعَارَضَةَ فَتَأَمَّلْ. نَعَمْ لَا يَجِبُ الْقُعُودُ فِي نَفْلِ الْمُسَافِرِ الْمَاشِي، وَيَكْفِي الِاضْطِجَاعُ فِي نَفْلِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي) قَدَّمَهُ لِسُهُولَتِهِ مَعَ دَلِيلِهِ. قَوْلُهُ: (كُنَّا نَقُولُ) أَيْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيَّنُ، فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ إلَخْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ مَحَلُّهُ إلَخْ، وَضَمِيرُ نَقُولُ عَائِدٌ إلَى الصَّحَابَةِ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا تَابِعِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِجِبْرِيلَ فِيهِ فَكَانَا يَقُولَانِهِ، إذْ يَبْعُدُ اخْتِرَاعُ الصَّحَابَةِ لَهُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ مَفْرُوضًا أَصْلًا أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِفَرْضِيَّتِهِ، وَيَحْتَمِلُ تَوَجُّهَ الْفَرْضِيَّةِ إلَى أَلْفَاظِهِ الْمَخْصُوصَةِ، فَلَا يُنَافِي كَوْنُ الْأَوَّلِ كَانَ مَفْرُوضًا مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بُدِّلَتْ أَلْفَاظُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مُلَازَمَتِهِمْ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ تَرْكُهُ. وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ قَبْلَ عِبَادِهِ هُوَ بَيَانٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى ذِكْرِ عِبَادِهِ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَفَّظُونَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى فُلَانٍ) بَيَانٌ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى ذِكْرِ جِبْرِيلَ مَثَلًا، بَلْ يَذْكُرُونَ غَيْرَهُ نَحْوُ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ لَكِنْ لَمْ يَرِدْ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ فِيمَا يَقُولُونَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَنَّهُ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِكَوْنِهِ فِي الْآخِرِ، وَأَمَّا دَلِيلُ كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ صَرِيحُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ ، اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: وَأُولَى أَحْوَالِ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَإِرَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى) بِمَعْنَى الْأَنْسَبِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا خَاصًّا بِالصَّلَاةِ وَالتَّبَرِّي بِقَوْلِهِ: قَالُوا لِمَا ذَكَرَهُ الْكَشَّافُ مِنْ أَنَّ وُجُوبَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَحَلِّ الْخِتَامِ. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ بِمَعْنَى لَمْ يَحْرُمْ، فَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ الْإِقْعَاءِ كَمَا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ الِافْتِرَاشُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ رِجْلَهُ

ــ

[حاشية عميرة]

فَرْعٌ) جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ، ثُمَّ السُّجُودَ، ثُمَّ الرُّكُوعَ.

[جلسة الِاسْتِرَاحَة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (الصَّلَاةُ إلَخْ) اخْتَارَ الْحَلِيمِيُّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ) هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي قُولُوا إلَخْ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ. قَوْلُهُ: (لِمَا تَقَدَّمَ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ إلَخْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (جَازَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِمَعْنَاهُ) أَيْ قَدَّمَهَا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالسَّاهِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>