للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصَحِّ) ، كَأَنْ قَهَرَهُ عَلَى عَمَلٍ، وَالثَّانِي تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لِتَقَوُّمِهَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ تُشْبِهُ مَنْفَعَةَ الْمَالِ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ: الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَمَنْفَعَتُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ

(وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ) كَسُقُوطِ يَدِ الْعَبْدِ بِآفَةٍ، (وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ) لِلنَّقْصِ وَالْفَوَاتِ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَعِيبًا بَعْدَهُ. (وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ، (بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ) بِاللُّبْسِ يَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ (فِي الْأَصَحِّ) . وَالثَّانِي، لَا بَلْ يَجِبُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ لَا الِاسْتِعْمَالِ.

فَصْلٌ

إذَا (ادَّعَى) الْغَاصِبُ (تَلَفَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ، (وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ) ذَلِكَ (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ لَمْ نُصَدِّقْهُ لَتَخَلَّدَ الْحَبْسُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، (فَإِذَا حَلَفَ) أَيْ الْغَاصِبُ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ) بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، الثَّانِي لَا يُغَرِّمُهُ بَدَلَهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ فِي زَعْمِهِ، أَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِيَمِينِ الْغَاصِبِ

(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ) بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَلَفِهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ) بِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ، كَأَنْ قِيلَ: كَانَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ خِلْقَةً (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمُ السَّلَامَةِ مِنْ الْخُلُقِيِّ فِي الثَّالِثَةِ، وَلِثُبُوتِ يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ، (وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي عَيْبٍ حَادِثٍ) بَعْدَ تَلَفِهِ كَأَنْ قِيلَ: كَانَ أَقْطَعَ أَوْ سَارِقًا (يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ.

وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا حِكَايَةُ الْخِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ وَبِهِ عَيْبٌ وَقَالَ: غَصَبْته هَكَذَا، وَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي: زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ

(وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (نَاقِصَ الْقِيمَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ، (وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ فَأَبْلَاهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ، لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ

ــ

[حاشية قليوبي]

مَا أَشْغَلَهُ فَقَطْ، فَإِنْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْهُ بِلَا إشْغَالٍ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَشْغَلَهُ بِمَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ شُغْلُ جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ رَمَى فِيهِ نَحْوَ ثَوْبٍ وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهِ فَلَا أُجْرَةَ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ فَرَاجِعْهُ.

فَرْعٌ: وَضْعُ الْخَزَائِنِ فِي الْمَسَاجِدِ لَا يَجُوزُ إلَّا حَالَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْوَاضِعِ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا إذَا وَعَدَ بِوَقْفِهَا، وَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا بِرَحِيلِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا وَجَبَ إزَالَتُهَا مَا لَمْ يَنْتَفِعْ غَيْرُهُ بِهَا، وَلَوْ أَغْلَقَهُ مَعَ إشْغَالِ بَعْضِهِ بِمَا يَجُوزُ وَجَبَ أُجْرَةٌ مِثْلُ أُجْرَةِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ شَغَلَهُ بِمَتَاعٍ بِقَدْرِ مَا يُصَلِّي مَثَلًا كَمَا فِي أَمْتِعَةِ الطَّوَّافِينَ لَزِمَ أُجْرَةُ مَحَلِّهَا مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى وَضْعِهِ فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (لِلنَّقْصِ) رَاجِعٌ لِلْأَرْشِ، فَلَوْ غَصَبَ بُرًّا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَطَحَنَهُ، فَصَارَتْ عِشْرِينَ فَخَبَزَهُ فَصَارَتْ خَمْسِينَ ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ ثَمَانُونَ اهـ.

فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْغَاصِبُ) عَلَى الْغَاصِبِ الَّذِي فِي الْوَدِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ إنْفَاقِهِمَا عَلَى تَلَفِهِ) أَوْ بَعْدَ حَلِفِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً بِقَدْرٍ سُمِعَتْ أَوْ بِزِيَادَةِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الْغَاصِبُ سُمِعَتْ أَيْضًا، وَيَبْطُلُ مَا قَدَّرَهُ الْغَاصِبُ، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَزِيدَ إلَى قَدْرِ تَقَوُّلِ الْبَيِّنَةِ: إنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالصِّفَاتِ. فَلَوْ اعْتَرَفَ بِهَا الْغَاصِبُ، فَلِلْمَالِكِ الزِّيَادَةُ فِي الْقِيمَةِ إلَى حَدٍّ يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: بِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَلَفِهِ) أَيْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، وَهُوَ قَيْدٌ لِإِخْرَاجِ الرَّدِّ الْآتِي. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ) وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحَادِثَ يُقَدَّرُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ، وَاسْتِشْهَادٌ عَلَى تَقْيِيدِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَا بَعْدَ التَّلَفِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَوْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ) سَوَاءٌ تَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ أَوَّلًا لِقُوَّةِ جَانِبِ الْغَاصِبِ بِالرَّدِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ.

[فَصْلٌ إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ تَلَفَهُ أَيْ الْمَغْصُوبِ]

فَصْلٌ ادَّعَى إلَخْ

قَوْلُهُ: (لِبَقَاءِ عَيْنِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ وَصَدَّقَهُ غَرِمَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَنْبَغِي فِي الْمُتَقَوِّمِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا إمَّا بَدَلًا عَنْ الْمُتْلَفِ، وَإِمَّا الْحَيْلُولَةَ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا لِبَقَاءِ عَيْنِهِ) أَيْ وَالْحَيْلُولَةُ إنَّمَا تُوجِبُ الْقِيمَةُ قَطْعًا لَا الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى هَذَا.

قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْغَاصِبُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ، وَالْأَصْلُ كَوْنُهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَرْدُودَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ نِصْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>