للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الرَّهْنِ يَتَحَقَّقُ بِعَاقِدٍ وَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَصِيغَةٍ وَبَدَأَ بِهَا فَقَالَ (لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ بِشَرْطِهِمَا الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ. وَفِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مَعَ الْإِيجَابِ كَقَوْلِهِ: ارْهَنْ عِنْدِي، فَقَالَ: رَهَنْت عِنْدَك الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ. (فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ) أَيْ بِالْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ. (أَوْ مَصْلَحَةٍ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ) بِهِ (أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إلَّا كَذَا (صَحَّ الْعَقْدُ) وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ

(وَإِنْ شَرَطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ) وَيَنْفَعُ الرَّاهِنَ كَأَنْ لَا يُبَاعَ عِنْدَ الْمَحَلِّ (بَطَلَ الرَّهْنُ) لِإِخْلَافِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ (وَإِنْ نَفَعَ) الشَّرْطُ (الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ) أَيْ

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ الرَّهْنِ

هُوَ لُغَةً الثُّبُوتُ وَالْحَبْسُ وَنَحْوَهُمَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» أَيْ مَحْبُوسَةً عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِ مَنْ مَاتَ مُعْسِرَا عَازِمًا عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ خَلَفَ وَفَاءً مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَمِنْهُ آيَةُ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ. قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى ارْهَنُوا وَاقْبِضُوا بَعِيدٌ، يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ إلَّا فِي رَهْنِ وَلِيٍّ عَلَى مَالِ مَحْجُورٍ، وَمِنْهُ «رَهْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَفْتَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَوْنُ الدِّرْعِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْيَهُودِيِّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الرَّهْنِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ بِأَخْذِهِ بَعْدَ فَكِّهِ، وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَهُودِيَّ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمْ رَدُّ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَرَضَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَانُوا يُبْرِئُونَهُ فَتَأَمَّلْ، وَإِنَّمَا آثَرَ الْيَهُودِيَّ بِالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ مِنْهُ عَلَى أَصْحَابِهِ لِبَيَانِ جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَجَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَسْتَرْهِنُونَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ: شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ فَالْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ. قَوْلُهُ (يَتَحَقَّقُ) فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ عَاقِدٌ وَمَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ.

قَوْلُهُ: (وَبَدَأَ بِهَا) أَيْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا لِلْخِلَافِ فِيهَا كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى الْعَاقِدُ رَاهِنًا وَمُرْتَهِنًا إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِشَرْطِهِمَا إلَخْ) وَمِنْهُ خِطَابُ مَنْ وَقَّعَ مَعَهُ الْعَقْدَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَالْإِشْهَادِ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْمَرْهُونِ. قَوْلُهُ: (إلَّا كَذَا) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ إنْ جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ تَأْكِيدٌ وَالثَّانِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ لَا يُبَاعَ) أَيْ أَصْلًا أَوْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْحُلُولِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَفَعَ الشَّرْطُ) أَعَادَ الضَّمِيرَ لِلشَّرْطِ الْمُقْتَضِي لِلْإِضْمَارِ فِي بَطَلَ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَوْدِهِ إلَى مَا لِأَنَّ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْفَعُهُ، وَلِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِاللَّغْوِ وَالْفَسَادِ هُوَ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ: (كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ إلَخْ) نَعَمْ إنْ قُدِّرَتْ الْمَنْفَعَةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَنَةٍ فَهُوَ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مَمْزُوجًا بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهُوَ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَشَرْطِ رَهْنِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م ر. فِي شَرْحِهِ

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الرَّهْنِ]

ِ قَوْلُهُ: (كَأَنْ لَا يُبَاعَ) مِثْلُهُ أَنْ يَشْرِطَ بَيْعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْحُلُولِ. قَوْلُهُ: (يَقُولُ إلَخْ) قَوْلُهُ: (أَيْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>