(وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ. (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ) أَيْ الطَّالِبِ لَهُ (فِي رَدِّهِ) أَيْ الْآبِقِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْجَاعِلُ وَالْعَامِلُ (فِي قَدْرِ الْجُعْلِ تَحَالَفَا) وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كِتَابُ الْفَرَائِضِ أَيْ مَسَائِلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ، أَيْ مُقَدَّرَةٍ لَمَّا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ. فَغُلِّبَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ، فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» أَيْ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ. (يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) وُجُوبًا (بِمُؤْنَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ) وَلَا لِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِأَنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ) وَلِذَلِكَ لَوْ تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَهُ سَقَطَ الْجُعْلُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ) أَيْ الْجَاعِلُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِيمَا إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ) أَيْ أَنْكَرَ الْتِزَامَهُ لَهُ وَخَرَجَ بِذَلِكَ، مَا لَوْ أَنْكَرَ سَمَاعَ الْعَامِلِ النِّدَاءَ فَالْمُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَعْيَهُ) أَيْ وَيُصَدَّقُ الْجَاعِلُ إذَا أَنْكَرَ سَعْيَ الْعَامِلِ فِي الرَّدِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَكَانَ أَصْرَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ، كَأَنْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ إنَّ الْعَبْدَ جَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ إنَّهُ رَدَّهُ غَيْرُك، أَوْ إنَّ هَذَا غَيْرُ الْعَبْدِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ أَوْ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ. قَوْلُهُ: (فِي قَدْرِ الْجُعْلِ) أَيْ فِي قَدْرِ مَا يُسْتَحَقُّ مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا، وَمِثْلُ الْقَدْرِ لِجِنْسٍ وَالصِّفَةِ وَالْمَحِلِّ. قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَيَنْبَغِي الْبُدَاءَةُ هُنَا بِالْمَالِكِ. فَرْعٌ لَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ وَعَلَى حَاكِمٍ عَلِمَ بِإِبَاقِهِ أَخْذُهُ وَحِفْظُهُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ طَالَ انْتِظَارُ سَيِّدِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِذَا حَضَرَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ، وَوَضْعُ الْعَامِلِ يَدَهُ عَلَى الْعَبْدِ جَائِزٌ وَهُوَ أَمَانَةٌ لِرِضَا مَالِكِهِ بِهِ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يُقَصِّرْ كَتَرْكِهِ بِمَضْيَعَةٍ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُهُ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ يَقَعُ تَبَرُّعًا إلَّا إنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ بِإِشْهَادٍ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَإِذَا وَجَدَ الْعَامِلُ الْعَبْدَ أَوْ غَيْرُ الْعَامِلِ شَخْصًا مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، أَوْ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ فِي مَفَازَةٍ مَثَلًا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ مَعَهُ. إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ وَلَزِمَهُ حَمْلُهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ لَزِمَهُ حَمْلُ مَتَاعِهِ إلَى أَهْلِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَمِينٌ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ قَالَ عَمِّرْ دَارِي مِنْ مَالِكِ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِمَا نَغْرَمُهُ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبُ وَلَمْ يَجْرِ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيمِهِ فَلِلْمُعَلِّمِ الْقِسْطُ عَلَى مَا مَرَّ. عَنْ شَرْحِ شَيْخِنَا هُنَا وَفِي بَابِ الْإِجَارَةِ خِلَافُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعَلِّمُ التَّعْلِيمَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ بِخِلَافِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا مَرَّ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
كِتَابُ الْفَرَائِضِ
أَخَّرَهُ عَنْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِاضْطِرَارِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا إلَى مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِإِدَامَةِ الْحَيَاةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ فِي نِصْفِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ مَسَائِلُ إلَخْ) إشَارَةٌ لِلتَّغْلِيبِ الْآتِي بِجَعْلِ الْفَرْضِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلتَّعْصِيبِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ فَرِيضَةٍ) نَظَرًا لِلْجَمْعِ الْمَذْكُورِ، وَسَيَأْتِي التَّعْبِيرُ بِالْفُرُوضِ وَهُوَ جَمْعُ فَرْضٍ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ لُغَةً الْقَطْعُ وَالتَّبْيِينُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْلَالُ وَالْعَطَاءُ وَالْإِيجَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ يُزَادُ بِالرَّدِّ وَيَنْقُصُ بِالْعَوْلِ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ وَإِنْ جَعَلَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ. فَائِدَةٌ كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ وَالْكِبَارَ دُونَ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِالتَّحَالُفِ وَالنُّصْرَةِ، ثُمَّ نُسِخَ إلَى التَّوَارُثِ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، ثُمَّ نُسِخَ إلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ. ثُمَّ نُسِخَ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ السُّيُوطِيّ إنَّ الَّذِي تَكَرَّرَ نَسْخُهُ أَرْبَعٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحِلِّهِ، وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُهُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ تَكَرَّرَ حِلُّهُ وَحُرْمَتُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ) فَهِيَ اسْمُ مَفْعُولٍ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا اسْمَ فَاعِلٍ بِمَعْنَى فَارِضَةٍ لِأَنَّ الْفَارِضَ اسْمٌ لِلْفَرْضِيِّ وَيُقَالُ لَهُ الْفَرَائِضِيُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (أَيْ مُقَدَّرَةٍ) لَا بِمَعْنَى الْمَأْخُوذَةِ لِلْوَارِثِ قَهْرًا.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى.
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]
ِ قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ أَيْ مَسَائِلُ وَقَوْلُهُ فَغُلِّبَتْ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ السِّهَامُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إلَخْ) أَيْ كَمَا يَبْدَأُ فِي حَيَاتِهِ بِكِفَايَتِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الدُّيُونِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ فِي مَيِّتٍ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا» .