الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ فَإِنْ أَذِنَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ ثُمَّ يُرَاعَى فِي حُضُورِ الْوُلَاةِ تَفَاوُتُ دَرَجَتِهِمْ فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ. وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَصَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِصِفَاتٍ مُرَجِّحَةٍ هُوَ أَوْلَى مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا، فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِهَا إلَى مَا قَالَهُ نَظَرًا لِلْمَالِ.
فَصْلٌ (لَا يَتَقَدَّمُ) الْمَأْمُومُ (عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (فَإِنْ تَقَدَّمَ) عَلَيْهِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ. (فِي الْجَدِيدِ) كَمَا تَبْطُلُ بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ وَالْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِوُقُوفِهِ عَلَى يَسَارِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَالشَّرْحِ لَا تَنْعَقِدُ لَوْ تَقَدَّمَ عِنْدَ التَّحَرُّمِ، وَتَبْطُلُ لَوْ تَقَدَّمَ فِي خِلَالِهَا.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَوْ شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ. وَقِيلَ إنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ أَوْ مِنْ قُدَّامِهِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ تَقَدُّمِهِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ. (وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ) لِلْإِمَامِ (وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ) عَنْهُ. (قَلِيلًا) فَتُكْرَهُ مُسَاوَاتُهُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَالِاعْتِبَارُ) فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْقِيَامِ. (بِالْعَقِبِ) وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِيهِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ وَلَوْ تَقَدَّمَ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ.
ــ
[حاشية قليوبي]
يُصَلِّي فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَّا جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يُقْفَلَ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا فَالرَّاتِبُ كَغَيْرِهِ وَلَوْ بِحَضْرَتِهِ، فَلَا تُكْرَهُ جَمَاعَةُ غَيْرِهِ حِينَئِذٍ مَعَهُ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُقَدَّمُ الرَّاتِبُ فِي مَحَلِّهِ وَلَوْ عَلَى السَّاكِنِ فِيهِ إلَّا عَلَى مَنْ وَلَّاهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَالِي إلَخْ) وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ جَائِرًا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْقُضَاةَ. وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَعَمُّ وِلَايَةً فَالْأَعَمُّ وَالْأَعْلَى فَالْأَعْلَى. وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْوَالِي إنْ شَمِلَتْ وِلَايَتُهُ الْإِمَامَةَ فَرَاجِعْهُ.
(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ. وَشُرُوطُهُ سَبْعَةٌ عَدَمُ التَّقَدُّمِ فِي الْمَكَانِ وَاتِّحَادُهُ وَعِلْمُ الِانْتِقَالَاتِ وَنِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّبَعِيَّةُ وَمُوَافَقَةُ نَظْمِ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ الْمُخَالَفَةِ فِي السُّنَنِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَيْنِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَ، فِعْلُهُمَا إلَخْ أَيْ نَظْمُ صَلَاتِهِمَا إلَّا الْقُنُوتَ وَالتَّشَهُّدَ، وَالْمَذْكُورُ هُنَا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ. قَوْلُهُ: (لَا يَتَقَدَّمُ) أَيْ يَقِينًا فِي غَيْرِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى إمَامِهِ فِيمَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ وَلَوْ جِهَةَ مَقْصِدِهِ فِي الْمُسَافِرِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْإِمَامِ كَأَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَأْمُومِ أَوْ لَا بِفِعْلِهِمَا كَدَوَرَانِ سَرِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ. وَنَقَلَ عَنْ إفْتَاءِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي الثَّانِيَةِ قَطْعَ الْقُدْوَةِ دُونَ الْبُطْلَانِ فَرَاجِعْهُ. وَالْمُرَادُ بِالْمَوْقِفِ مَكَانُ الصَّلَاةِ وَلَوْ بِغَيْرِ وُقُوفٍ. وَذَكَرَ الْوُقُوفَ لِلْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ فَإِنْ تَقَدَّمَ بِغَيْرِ نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا مُطْلَقًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا وَطَالَ الْفَصْلُ عُرْفًا وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (فِي الْفِعْلِ) أَيْ الْمُبْطِلِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَمَا لَا تَبْطُلُ إلَخْ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ بِجَامِعِ مُخَالَفَةِ الْمَطْلُوبِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَمْ تَنْعَقِدْ) فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى الْأَثْنَاءِ لِعِلْمِ الِابْتِدَاءِ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَلِعُمُومِهِ لَهُ تَغْلِيبًا أَوْ حَقِيقَةً فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الشَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ شَكَّ) وَلَوْ حَالَ النِّيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَوْلُهُ: (تَصِحُّ صَلَاتُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (قَلِيلًا) أَيْ عُرْفًا.
قَوْلُهُ: (فَتُكْرَهُ مُسَاوَاتُهُ) وَلَوْ فِي إمَامَةِ النِّسْوَةِ نَعَمْ تُنْدَبُ الْمُسَاوَاةُ فِي إمَامَةِ عَارٍ لِعُرَاةٍ بُصَرَاءَ فِي ضَوْءٍ. قَوْلُهُ: (بِالْعَقِبِ) أَيْ لِمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ. وَفِي السُّجُودِ بِالرُّكْبَتَيْنِ لِمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْجُلُوسِ بِالْأَلْيَةِ كَذَلِكَ، وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ وَمُقَدَّمِ الْبَدَنِ، وَفِي
ــ
[حاشية عميرة]
الْعَدْلُ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ الْفَاسِقِ أَعْنِي إذَا رَضِيَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مِلْكِهِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى أَوْلَوِيَّةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ بَعْدَ رِضَاءِ الْمَالِكِ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ يُسَنُّ لَهُ التَّقَدُّمُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْمَالِكِ لَهُ بِخُصُوصِهِ. وَلَا كَذَلِكَ الْعَدْلُ مَعَ الْمَالِكِ الْفَاسِقِ.
[فَصْلٌ لَا يَتَقَدَّمُ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ]
(فَصْلٌ لَا يَتَقَدَّمُ إلَخْ) قَوْلُهُ: (كَمَا لَا تَبْطُلُ إلَخْ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّهَا مُخَالَفَةٌ فِي الْمَوْقِفِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ) .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالِاتِّفَاقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ خَوْفًا مِنْ التَّقَدُّمِ وَمُرَاعَاةً لِلْمَرْتَبَةِ بَلْ تُكْرَهُ الْمُسَاوَاةُ اهـ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ) إيضَاحُ هَذَا مَا نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي أَصَابَ الْأَرْضَ مِنْ مُؤَخَّرِ الرِّجْلِ قَالَ: وَقَالَ