للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأُولَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَوْ كَانَ الذِّمِّيَّانِ مُخْتَلِفِي الْمِلَّةِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَجَبَ الْحُكْمُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ كُلًّا لَا يَرْضَى بِمِلَّةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَنُقِرُّهُمْ) فِيمَا تَرَافَعُوا فِيهِ (عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ) لَوْ أَسْلَمُوا فَإِذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ التَّرَافُعِ أَقْرَرْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً، وَبِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَحْرَمِ فَنُبْطِلُهُ فِي ذَلِكَ.

فَصْلٌ: أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ (وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، (أَوْ) أَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ) مِنْهُنَّ (وَيَنْدَفِعُ) نِكَاحُ (مَنْ زَادَ) مِنْهُنَّ عَلَى الْأَرْبَعِ الْمُخْتَارَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَسَوَاءٌ نَكَحَهُنَّ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَإِذَا نَكَحَ مُرَتَّبًا فَلَهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَقَعَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ اسْتَوْفَى مِنْهُمْ مَا ثَبَتَ، وَلَوْ حَدَّ زِنًى أَوْ قَطْعَ سَرِقَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ. نَعَمْ لَا يُحَدُّونَ بِشُرْبِ خَمْرٍ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ حِلِّهِ فِي عَقِيدَتِهِمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ: (وَأُجِيبَ إلَخْ) وَاعْتُرِضَ النَّسْخُ بِأَنْ يَلْزَمَهُ وُجُوبُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُعَاهَدِينَ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ فَدَعْوَاهُ النَّسْخَ مُوَافَقَةٌ لِمُعْتَقَدِهِ، أَوْ أَنَّهُ سَقَطَ بِالنَّسْخِ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ وَيُسْتَفَادُ التَّخْيِيرُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّسْخَ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ، فَلَا يُقَاسُ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ لَا مَعْنَى لِلنَّسْخِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ، وَلَا لِخُصُوصِ نَفْيِ الْقِيَاسِ مَعَ نَفْيِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ إلَخْ) أَوْرَدَهُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذَا طُرُقٌ. قَوْلُهُ: (وَنُقِرُّهُمْ إلَخْ) أَيْ إنْ ذَكَرُوا مَا يَقْتَضِي التَّقْدِيرَ أَوْ عَدَمَهُ وَإِلَّا فَلَا نَسْأَلُهُمْ عَنْهُ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِالْبَحْثِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَحْرَمِ) وَكَذَا نِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ فَنُبْطِلُهُمَا مَعًا، وَلَهُ الْعَقْدُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ إلَّا إنْ عَلِمْنَا سَبْقَ إحْدَاهُمَا فَتَبْطُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ، وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ، مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ الْجَوَابَ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (أَسْلَمَ) أَيْ الزَّوْجُ وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ زَوْجٍ، فَإِنْ عَقَدُوا مَعًا لَمْ تَقِرَّ مَعَ وَاحِدٍ أَوْ مُرَتَّبًا أَقَرَّتْ مَعَ الْأَوَّلِ. نَعَمْ إنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي الْكُفْرِ، أَقَرَّتْ مَعَ مَنْ بَعْدَهُ إنْ اعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ) أَيْ فِي الْحُرِّ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مُبَاحَةٍ، كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ فَوْرًا إنْ كَانَ أَهْلًا بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَإِلَّا فَعِنْدَ تَأَهُّلِهِ وَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ وَلِيِّهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْمَجْنُونِ كَمَا لَهُ تَزْوِيجُهُ ابْتِدَاءً فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ) أَيْ لِلنِّكَاحِ فِي الْحُرِّ وَثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِهِ. كَمَا مَرَّ وَلَوْ عَلَى التَّدْرِيجِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلَوْ اخْتَارَ دَفْعَ مَنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ مَثَلًا لِغَيْرِ النِّكَاحِ تَعَيَّنَ الْأَرْبَعُ، أَوْ اخْتَارَ دَفْعَ بَعْضَ مَنْ زَادَ انْدَفَعَ وَبَقِيَ الِاخْتِيَارُ فِي الْبَاقِي وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (وَيَنْدَفِعُ) أَيْ يَتَعَيَّنُ انْدِفَاعُ مَنْ زَادَ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (غَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةِ ثَقِيفٍ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةِ رِجَالٍ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ، أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ، وَبَاقِيهِمْ مَسْعُودُ بْنُ مُصْعَبٍ وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَخُصَّ غَيْلَانُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَوْلُهُ: (أَمْسِكْ) هُوَ وَفَارِقْ فِعْلَا أَمْرٍ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ أَمْسِكْ لِلْوُجُوبِ وَفَارِقْ لِلْإِبَاحَةِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ عَكْسَهُ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وُجُوبَ أَحَدِهِمَا إذْ بِوُجُودِهِ يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِتَعَيُّنِ لَفْظِ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا وَإِبَاحَةِ الْآخَرِ،

ــ

[حاشية عميرة]

الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (وَأُجِيبَ إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ مَنْسُوخَةً بِالْأُولَى وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي الْمُعَاهَدِينَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُعَاهَدِينَ، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْمَنْعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّسْخَ فِي الْحَقِيقَةِ لِقِيَاسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ وَرَدَتْ فِيهِمْ الْآيَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ أَصْلًا لِلْقِيَاسِ جُعِلَتْ الْآيَةُ الْأُخْرَى نَاسِخَةً لَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الذِّمِّيَّانِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ قَوْلُهُ: (جَزْمًا) اسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْجَزْمُ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْمُتَّفِقَيْنِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَاكِمٌ أَوْ كَانَ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا؛ إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَلْزَمَهُمَا حُكْمُ الْكُفْرِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ فِيهِ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِذَا تَرَافَعُوا إلَى آخِرِهِ.

[فَصْلٌ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الزَّوْجَاتِ]

فَصْلٌ: أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ لَزِمَهُ إلَخْ مُرَادُهُ عَدَمُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ) أَيْ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا الْعِدَّةُ. قَوْلُهُ: «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ» إلَخْ) . قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي أَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَمْسِكْ لِلْإِبَاحَةِ وَفَارِقْ لِلْوُجُوبِ لِحَقِّهِنَّ فِي رَفْعِ الْحَبْسِ عَنْهُنَّ، فَالسُّكُوتُ عَنْ الْكُلِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إذَا طَلَبْنَ، فَيَجِبُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ يَلْزَمُ مِنْهُ إمْسَاكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَحْذُورٌ اهـ.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الشِّرْكِ بِزَوْجَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمُوا قَالَ الْقَاضِي لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعَيَّ فِيهَا نَصٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ وَفِي التَّتِمَّةِ لَا بِخِلَافِهِ فِي عَدَمِ تَخْيِيرِ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُخَالِفَ حَمَلَ حَدِيثَ غَيْلَانَ عَلَى الْأَوَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>