للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمَرُ أَرْبَعِينَ إلَى أَنْ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الشُّرْبِ فَاسْتَشَارَ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى (وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ (وَالزِّيَادَةُ) عَلَيْهَا (تَعْزِيرَاتٌ وَقِيلَ حَدٌّ) بِالرَّأْيِ.

(وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَالِطًا أَوْ مُكْرَهًا (وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ شَرِبَ خَمْرًا وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ مُكْرَهًا عَلَيْهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَهْلِ وَالْإِكْرَاهِ

(وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ) بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يُفِيقَ لِيَرْتَدِعَ (وَسَوْطُ الْحُدُودِ) فِي الشُّرْبِ وَالزِّنَى وَالْقَذْفِ (بَيْنَ قَضِيبٍ وَعَصًا وَرَطْبٍ وَيَابِسٍ) لِلِاتِّبَاعِ (وَيُفَرِّقُهُ) أَيْ السَّوْطَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) وَلَا يَجْمَعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ (إلَّا الْمُقَاتِلُ) كَثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْفَرْجِ وَنَحْوِهِمَا (وَالْوَجْهُ قِيلَ وَالرَّأْسُ) لِشَرَفِهِ كَالْوَجْهِ وَالْأَصَحُّ لَا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُغَطًّى غَالِبًا فَلَا يُخَافُ

ــ

[حاشية قليوبي]

بَعْدَهُ، أَيْ أَجَابَهُ بِذَلِكَ اجْتِهَادًا وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ فَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ أَجَابَهُ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ» وَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ حِينَ سَأَلَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُسْلِمٍ وَلَا مَا سَيَأْتِي عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَقَدْرُ ذَلِكَ إلَخْ. إذْ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ عَدَمُ بُلُوغِهَا لِلْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلِمَنْ حَضَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبَا بَكْرٍ حِينَ سُؤَالِهِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ، وَلَمَا اسْتَشَارَ الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ حَضَرَهُ فِي كَمْ يَضْرِبُ، وَلَمَا وَسِعَهُ الِاجْتِهَادُ بِمُخَالَفَتِهَا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَلَمَا وَسِعَ الْإِمَامَ عَلِيًّا أَنْ يَقُولَ كُلٌّ سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ وَرَاجِعْ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ. قَوْلُهُ: (تَتَابَعَ النَّاسُ) أَيْ كَثُرَ مِنْهُمْ الشُّرْبُ. قَوْلُهُ: (فَاسْتَشَارَ) أَيْ عُمَرُ كَمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَيْ شَاوَرَ مَنْ حَوْلَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إلَى الثَّمَانِينَ فَقِيلَ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيْهِ فَفَعَلَهَا بِاجْتِهَادٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِهَا فَوَافَقَهُمْ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَيْ الْأَرْبَعُونَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ تَبَعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) هُوَ بَيَانٌ لِمُسْتَنَدِ الْإِمَامِ عُمَرَ فِي ضَرْبِهِ ثَمَانِينَ لَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ.

قَوْلُهُ: (هَذَى) مِنْ الْهَذَيَانِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (افْتَرَى) أَيْ قَذَفَ وَحَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ. قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) بِاجْتِهَادِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ مُوَافِقَتُهُ عَلَيْهِ، فَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ مَدْخُولَةٌ، فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَنْهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ إلَخْ) هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاجْتِهَادِهِ أَوْ مَعَ مُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ كَمَا قِيلَ فِيمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (عَلَيْهَا) أَيْ الْأَرْبَعِينَ إلَى الثَّمَانِينَ فَقَطْ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهَا لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (تَعْزِيرَاتٌ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ تَعْزِيرٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَلِذَلِكَ بَلَغَتْ قَدْرَ الْحَدِّ وَامْتَنَعَتْ الزِّيَادَةُ فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ حَدٌّ بِالرَّأْيِ) أَيْ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ حَدٌّ بِرَأْيِ الْإِمَامِ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْحَدِّ لَا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِهِ كَمَا مَرَّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ لِجَوَازِ تَرْكِ بَعْضِهِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِ مُقْتَضِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَمِثْلُهُ عِلْمُ السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ لَا غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ) فَيَحْرُمُ وَلَكِنْ يُجْزِئُ وَلَوْ وَقَعَ مَا لَمْ يَصِرْ مُلْقًى كَالْخَشَبَةِ، وَيُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْرُمُ إنْ لَوَّثَهُ بِنَجِسٍ. قَوْلُهُ: (وَسَوْطُ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سُيُورٌ تُلَفُّ وَتُلَوَّى سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ الْجِلْدَ أَيْ يَشُقُّهُ وَكَوْنُ السَّوْطِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ مَنْدُوبٌ. قَوْلُهُ: (الْحُدُودِ) لَوْ قَالَ الْعُقُوبَةِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ. قَوْلُهُ: (فِي الشُّرْبِ وَالزِّنَى وَالْقَذْفِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَعَيُّنُ الْجَلْدِ فِي غَيْرِهَا، فَالْمُرَادُ بِالزِّنَى فِي الْبِكْرِ.

قَوْلُهُ: (قَضِيبٌ) هُوَ عَصًا رَقِيقٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُهُ) وُجُوبًا قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ) لَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ أَوْ الْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُقَاتِلُ) فَيَحْرُمُ وَلَا ضَمَانَ لَوْ مَاتَ قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ) فَيَحْرُمُ قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ لَا) قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ نَحْوِ مَلْحُوقٍ، وَأَقْرَعَ وَإِلَّا فَيُجْتَنَبُ قَطْعًا، وَمَتَى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَحَلٍّ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ الضَّرْبَ، وَلَا يُلْطَمُ وَجْهُهُ فَيَحْرُمُ إنْ تَأَذَّى بِهِ وَيُجْلَدُ الرَّجُلُ قَائِمًا نَدْبًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً كَذَلِكَ، وَيُلَفُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وُجُوبًا وَيَلُفُّهَا نَحْوُ امْرَأَةٍ وَمَحْرَمٍ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَلَا يُلَفُّ ثِيَابُهُ إلَّا مَحْرَمٌ.

ــ

[حاشية عميرة]

مِنْ سُيُورٍ، فَفِي الْحَدِيثِ «أُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ وَجُلِدَ» ، قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ) لَك أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَ الَّذِي صَدَرَ مِنْ عُمَرَ إجْمَاعًا فَكَيْفَ سَاغَ لِعَلِيٍّ الْمُخَالَفَةُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إجْمَاعٍ فَكَيْفَ احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ لَا عَلَى تَعَيُّنِهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، قَوْلُهُ: (تَعْزِيرَاتٌ) أَيْ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا مَا جَازَ تَرْكُهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ التَّعْزِيرَ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ تَعْزِيرًا لَمَا جَازَ بُلُوغُهُ أَرْبَعِينَ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْزِيرَاتٌ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ، بِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْهُ لَا تَنْحَصِرُ فَجَائِزٌ مُجَاوَزَةَ الثَّمَانِينَ،

قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ،

[الْحَدّ حَال السُّكْر]

قَوْلُهُ: (قَضِيبٌ) وَهُوَ الْغُصْنُ أَيْ فَيَكُونُ ضَعِيفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>