للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ) لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا (وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا (قَبْلَ الْحَوْلِ) بَعْدَ مِلْكِهِ النِّصَابَ لِوُجُودِ السَّبَبِ. وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَإِذَا مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاةً لِيَكُونَ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاتِهِ إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَصَلَ مَا تَوَقَّعَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الْحَادِثِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِيهَا بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ

(وَلَا تَعْجِيلَ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهَا وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، فَمَا عُجِّلَ لِعَامَيْنِ يُجْزِئُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، وَالثَّانِي اسْتَنَدَ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأُجِيبَ بِانْقِطَاعِهِ كَمَا بَيَّنَهُ وَبِاحْتِمَالِ التَّسَلُّفِ فِي عَامَيْنِ وَالْجَوَازُ عَلَى الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا بَقِيَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَأَنْ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً فَعَجَّلَ مِنْهَا شَاتَيْنِ، فَإِنْ عَجَّلَهُمَا مِنْ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ لَمْ يُجْزِئْ الْمُعَجَّلُ لِلْعَامِ الثَّانِي لِنَقْصِ النِّصَابِ فِي

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَيْ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ مَنَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ صِحَّةَ التَّعْجِيلِ. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ) أَيْ لِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، وَلَوْ لِلْفِطْرَةِ وَيَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْمُعَجَّلَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهِ وَبَعْدَ انْعِقَادِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَيَأْتِي مَفْهُومُهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي التِّجَارَةِ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبَيْنِ مَعًا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بُطْلَانِ الْقَاعِدَةِ وَالْوَجْهُ فِيهَا أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ هُوَ انْعِقَادُ الْحَوْلِ. وَقَدْ وُجِدَ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِيهِ لِأَجْلِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ فِيهِ لَا لِذَاتِهِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَعَجَّلَ شَاةً) أَيْ مِنْهَا لَا مِنْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَمْ يُجْزِئْهُ. قَوْلُهُ: (فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ) أَيْ مِنْ الْمِائَتَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُجْزِئْهُ. فَقَوْلُهُ: لَمْ يُجْرِئْهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَنَتَجَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ تُجْزِئْهُ فَإِنْ عَجَّلَ بَعْدَ النِّتَاجِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَلَوْ عَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَنَتَجَتْ سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ تُجْزِئْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الشَّاتَيْنِ، وَالْوَجْهُ إجْزَاءُ وَاحِدَةٍ لِتَمَامِ نِصَابِهَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِالْقَطْعِ فِيهِ لِبِنَاءِ حَوْلِ النِّتَاجِ عَلَى أَصْلِهِ وَتَقْيِيدُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالنِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ يُفِيدُ الْإِجْزَاءَ عَنْ النِّصَابِ الْأَوَّلِ فِي إحْدَى الشَّاتَيْنِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (يُسَاوِيهِمَا) هَلْ بِالْمُخْرَجِ أَوْ دُونَهُ الظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) وَلَمْ يَجْرِ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُعَجَّلِ عَنْهُ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (يُجْزِئُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ. قَوْلُهُ: (صَدَقَةً عَامَيْنِ) يَجُوزُ تَنْوِينُ صَدَقَةٍ وَإِضَافَتُهَا، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِئْ الْمُعَجَّلُ لِلْعَامِ الثَّانِي)

ــ

[حاشية عميرة]

الْمِنْهَاجِ وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَقْدِيمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَأَنْ لَا يُعَبِّرَ فِي الْأُولَى بِالْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهَا طَرِيقَيْنِ.

[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ]

فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ إلَخْ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنَعَ مِنْ التَّعْجِيلِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ، لَهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ أُجِّلَ رِفْقًا فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَجَلِهِ كَالدَّيْنِ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ وَقَدْ وَافَقَ الْمُخَالِفُ عَلَيْهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهِ

. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) صَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُ وَمَنْ قَالَ نَعَمْ الْأَكْثَرُونَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>