للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْإِمَامُ، كَذَلِكَ لَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ، وَلَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ تَطْلُقُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا (وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا) تَطْلُقُ بِذَلِكَ، (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ وُجِدَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ.

فَصْلٌ: لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا كَأَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ، لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: ٢٨] إلَى آخِرِهِ، (وَهُوَ تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ (فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى فَوْرٍ) ، لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ، فَلَوْ أَخَّرَتْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ.

(وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي) نَفْسَك، (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَهُوَ تَمْلِيكٌ بِالْعِوَضِ كَالْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ، فَهُوَ كَالْهِبَةِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (فَقَرَأَتْهُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ قَرَأَتْ مَقَاصِدَهُ وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ يَكْفِي قِرَاءَةُ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ، كَمَا مَرَّ دُونَ بَقِيَّتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ هُنَا اعْتِبَارُ قِرَاءَةِ مَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ، فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَتَّجِهُ هُنَا اعْتِبَارُ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْكِتَابِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ مُحَقَّقَةٌ فَرَاجِعْهُ، وَلَا يَكْفِي إعْلَامُهَا بِهِ وَلَا عِلْمُهَا بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمُطَالَعَةَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ لَوْ طَالَعَتْهُ) كَفَى فِي الْوُقُوعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَّا أَنْ قَالَ أَرَدْت التَّلَفُّظَ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَطْلُقُ) وَإِنْ عَمِيَتْ أَوْ نَسِيَتْ الْقِرَاءَةَ، وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِ حَالَةِ الْكِتَابَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ بِحَسَبِ مَا فِي ذِهْنِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ، بِأَنَّهَا غَيْرُ قَارِئَةٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً) بِأَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ حَالَ الْكِتَابَةِ.

قَوْلُهُ: (فَقُرِئَ عَلَيْهَا) وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا بِمَا فِيهِ وَلَا عِلْمُهَا مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَوْ تَعَلَّمَتْ الْقِرَاءَةَ وَقَرَأَتْهُ بِنَفْسِهَا فِي هَذِهِ وَقَعَ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا مَرَّ عَنْهُ، وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ الْوُقُوعُ أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.

فَرْعٌ: أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالنِّيَّةِ كَفَى وَوَقَعَ بِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَفَعَلَ هُوَ الْآخَرَ لَغَا.

فَصْلٌ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ قَوْلُهُ: (لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا) وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُكَلَّفٌ فَإِنْ كَانَ بِمَالٍ اُشْتُرِطَ رُشْدُهَا أَيْضًا وَخَرَجَ بِالطَّلَاقِ تَفْوِيضُ تَعْلِيقِهِ، فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِقَوْلِهِ إلَيْهَا مَا لَوْ فَوَّضَهُ إلَى اللَّهِ مَعَهَا أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَهَا، أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا نَعَمْ لَوْ فَوَّضَهُ إلَى زَيْدٍ مَثَلًا وَحْدَهُ صَحَّ وَهُوَ تَوْكِيلٌ وَلَوْ فَوَّضَهُ إلَى اثْنَيْنِ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ. قَوْلُهُ: (إنْ شِئْت) لَيْسَ قَيْدًا إنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُبْطَلٌ.

قَوْلُهُ: (خَيَّرَ نِسَاءَهُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ بَلْ لَا بُدَّ لِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِنَّ مِنْ إنْشَاءِ طَلَاقٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، بِقَوْلِهِ فَتَعَالَيْنَ الْآيَةَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبِّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ قَالَهُ الْخَطِيبُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ تَمْلِيكٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنَّ فِيهِ شَوْبَ تَعْلِيقٍ نَعَمْ إنْ جَرَى بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَيَشْمَلُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي التَّوْكِيلِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى فَوْرٍ) إلَّا إنْ كَانَ بِنَحْوِ مَتَى وَلَوْ مَعَ مَالٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَقَعْ) نَعَمْ يُغْتَفَرُ يَسِيرُ كَلَامٍ كَقَوْلِهَا كَيْفَ أُطَلَّقُ، وَلَوْ مُتَعَنِّتَةً وَيَكْفِي قَبُولُهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالتَّفْوِيضِ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ زَوْجَتِي إنْ شِئْت فَلَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَتِهِ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَ الزَّوْجَ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي تَطْلُقُ) أَيْ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ فِي الْهِلَالِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ هَذَا. قَوْلُهُ: (فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ نَحْوُ إنْ طَلَعَتْ السَّمَاءُ، فَأَنْت طَالِقٌ قَالَ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هُنَا حَالَةً تَصِحُّ أَنْ تُرَادَ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُسْتَحِيلِ.

[فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا]

فَصْلٌ: لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا أَيْ لَا تَفْوِيضُ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَوْ فِي الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لَوْ فُرِضَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ حِينَ خَيَّرَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: ٢٨] وَأَيْضًا فَاخْتِيَارُهُنَّ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَيِّرْهُنَّ فِي إيقَاعِ الْفِرَاقِ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَإِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ حَتَّى إذَا اخْتَرْنَ الْفِرَاقَ طَلَّقَهُنَّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] إلَخْ قَوْلُهُ: (وَهُوَ تَمْلِيكٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ، وَإِلَّا فَلَا فَوْرَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْجَدِيدِ) إنَّمَا كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَرْجِعُ إلَيْهَا دُونَ الْمُوَكِّلِ وَكَانَ كَالْهِبَةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ) هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قِيلَ وَقَضِيَّتُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهَا قَبِلْت إذَا قَصَدَتْ بِهِ الطَّلَاقَ خِلَافُ مَا يُفْهِمُهُ ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهُ وَفِي قَوْلٍ تَوْكِيلٌ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>