للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْجِرَاحِ جَمْعُ جِرَاحَةٍ وَهِيَ إمَّا مُزْهِقَةٌ لِلرُّوحِ أَوْ مُبَيِّنَةٌ لِلْعُضْوِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَأْتِي مَعَهَا غَيْرُهَا كَالْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ وَمَسْمُومٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّرْجَمَةُ لِلْأَغْلَبِ (الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ) لِلرُّوحِ (ثَلَاثَةٌ عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ) ،

ــ

[حاشية قليوبي]

فَرْعٌ: يَحْرُمُ التَّهَرُّشُ بَيْنَهُمَا وَإِنْزَاءُ خَيْلٍ عَلَى بَقَرٍ وَيُكْرَهُ إنْزَاءُ حُمُرٍ عَلَى خَيْلٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُطْلَبُ الْإِنْزَاءُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا) أَيْ بَلْ تُنْدَبُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ وَالْمُرَادُ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَالُ لَا تَجِبُ تَنْمِيَتُهُ وَخَرَجَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَقُّ الْآدَمِيِّ، فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عِمَارَةَ الْمَوْقُوفِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ، أَوْ مِنْ جِهَةٍ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ عِمَارَةُ مَالِ مُوَلِّيهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ لَهُ. وَيَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ عِمَارَةُ الْمَرْهُونِ إنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى التَّرْكِ كَمَا يَأْتِي وَتَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَى النَّاظِرِ فِي الْمُشْتَرَكِ بِطَلَبِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ الْمَوْقُوفُ وَالْمَمْلُوكُ لِنَحْوِ مَسْجِدٍ لَا عَكْسَ ذَلِكَ، وَكَذَا عَلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي مَالِ غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَرْكُ سَقْيِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ) أَيْ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ فِيهِ ثَمَرٌ يَفِي بِمُؤْنَةِ السَّقْيِ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِتَجْفِيفِهِ لِنَحْوِ وَقُودٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَيَجِبُ السَّقْيُ فِي مَرْهُونٍ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى تَرْكِهِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ. قَوْلُهُ: (حَذَرًا مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ) أَيْ بِغَيْرِ الْفِعْلِ أَمَّا إضَاعَتُهُ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا كَإِلْقَاءِ مَتَاعٍ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ.

فَرْعٌ: لَا تُكْرَهُ الْعِمَارَةُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَالنَّهْيُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لِنَحْوِ تَفَاخُرٍ أَوْ تَعَاظُمٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ.

تَنْبِيهٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ أَوْ الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا خَضَّرَ لَهُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى يَبْنِيَ وَفِيهِ أَيْضًا كُلُّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهَا إلَّا هَا وَهَا» . وَهَذَا يَعْنِي إلَّا فِي نَحْوِ الْمَسَاجِدِ مِمَّا يُطْلَبُ وَفِيهِ أَيْضًا الْعَبْدُ إذَا تَطَاوَلَ فِي الْبُنْيَانِ نَادَاهُ الْمَلَكُ إلَى أَيْنَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَفِيهِ أَيْضًا إنَّ التَّطَاوُلَ فِي الْبُنْيَانِ مِنْ عَلَامَةِ السَّاعَةِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مَنْ جَمَعَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ.

[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

ِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَأَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ حِفْظُ النُّفُوسِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ انْكَفَّ عَلَى الْقَتْلِ، وَهُوَ مَعْنَى آيَةِ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ كَمَا يَأْتِي، وَالْقَتْلُ ظُلْمًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَهُوَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَتَحَتَّمُ بِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِلِّهِ خُلُودٌ فِي النَّارِ وَلَا دُخُولُهَا وَلَا عُقُوبَةٌ لِإِمْكَانِ الْعَفْوِ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْعَفْوِ أَوْ بِالْقَوَدِ أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُعْتَمَدِ أَوْ بِالْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا لَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْقَسِمُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَاجِبٌ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَحَرَامٌ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَكْرُوهٌ كَقَتْلِ الْغَازِي قَرِيبَهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ يَسُبُّ اللَّهَ مَثَلًا، وَمَنْدُوبٌ كَقَتْلِ الْغَازِي الْمَذْكُورَ إذَا سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ وَمُبَاحٌ كَقَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ عَنْ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ فِي الْأَحَظِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (جَمْعُ جِرَاحَةٍ) وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ جِرَاحَاتٌ، وَأَمَّا جُرُوحٌ فَجَمْعُ جُرْحٍ لِلْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) كَالْمُوضِحَةِ وَمَا مَعَهَا قَوْلُهُ: (مَعَهَا) أَيْ الْجِرَاحَةُ أَوْ الْجِرَاحُ لِأَنَّهُ جَمَاعَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَالتَّجْوِيعِ وَالسِّحْرِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْجِنَايَةِ لَشَمِلَ كُلَّ ذَلِكَ بَعْدَ تَخْصِيصِهَا بِالْأَبْدَانِ، فَلَا تَرِدُ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَمْوَالِ مَثَلًا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمَنْهَجِ بِالْجِنَايَةِ مُعْتَرَضٌ أَيْضًا فَدَعْوَاهُ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَكُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الْفِعْلُ) أَيْ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ الشَّامِلِ لِلْقَوْلِ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ كَالْإِقْرَارِ وَالسِّحْرِ لَكِنْ قِيلَ وَصْفُ الْقَوْلِ بِالْمُزْهِقِ بَعِيدٌ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْقَتْلُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْحَالِ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (الْمُزْهِقُ) أَيْ الْمُسْرِعُ لِلْمَوْتِ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْعَمْدِ) وَمِنْهُ قَصْدٌ أَيْ وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَةٍ. -

ــ

[حاشية عميرة]

كِتَابُ الْجِرَاحِ جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهَا قِيلَ التَّعْبِيرُ بِالْجِنَايَاتِ أَوْلَى لِعُمُومِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ بِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ، وَبِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ الْقَذْفِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) كَالسِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، قَوْلُهُ: (الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ) هُوَ شَامِلٌ لِلْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ وَمُخْرِجٌ لِغَيْرِ الْمُزْهِقِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ جِنْسُ الْفِعْلِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَ الْمُزْهِقِ يَنْقَسِمُ إلَى الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ الْقَوْلَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْجِنَايَةِ وَحَذَفَ وَصْفَ الْإِزْهَاقِ لَتَنَاوَلَ ذَلِكَ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) الْحَصْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>