للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَتَقَدَّمَ افْتِقَارُ الْمُمَيِّزِ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ. (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ، إذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا (فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ) كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ، وَحَجٌّ (دُونَ) حَجِّ (الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

(وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ عِقَابٍ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ لَا أَثَرَ لَهَا إلَّا فِي الْمُرْتَدِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ، بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

تَتِمَّةٌ: الْعُمْرَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ بِفَرْضِيَّتِهَا كَالْحَجِّ فِي شَرْطِ مُطْلَقِ الصِّحَّةِ، وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِطَاعَةُ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ لَهُمَا جَمِيعًا. (وَهِيَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ وَلَهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَأَوْعِيَتَهُ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ. (أَهْلٌ) أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. (وَعَشِيرَةٌ) أَيْ أَقَارِبُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

الْوَلِيِّ. قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) وَلَوْ فِي الْوَاقِعِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَمَّلَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ حَجِّهِمَا أَيْ بَعْدَ فَوْتِ الْوُقُوفِ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَهُمَا فِعْلُهُ وَإِنْ تَحَلَّلَا أَوْ وَقَعَ مِنْهُمَا جِمَاعٌ بِلَا تَجْدِيدِ إحْرَامٍ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَلَزِمَهُمَا إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيُ إنْ كَانَا فَعَلَاهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.

تَنْبِيهٌ: الطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُمَا فَعَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ إنْ كَمَّلَا قَبْلَ فَرَاغِهِ وَلَا يُعِيدَانِ مَا فَعَلَاهُ بَعْدَ كَمَالِهِمَا.

تَنْبِيهٌ: الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا مَرَّ وَإِفَاقَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى) اعْتِبَارٌ لِوُقُوعِهِ حَالَةَ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ إجْزَاءَ صَلَاةِ صَبِيٍّ بَلَغَ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ.

قَوْلُهُ: (بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ) فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهُ إذَا أَسْلَمَ وَيَقْضِي مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ مَاتَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَقْضِي. قَوْلُهُ: (وَلَهَا شُرُوطٌ) أَيْ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا أَرْبَعَةً وَبَاقِيهَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ مَعَ الشَّارِحِ، وَهِيَ وُجُودُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَكَوْنُ الزَّادِ وَنَحْوِهِ مَوْجُودًا فِي مَحَلِّهِ الْمُعْتَادَةِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَالثُّبُوتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَإِمْكَانُ السَّيْرِ وَالْوَقْتُ.

تَنْبِيهٌ: يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ امْتِدَادُهَا مِنْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لِلْحَجِّ إلَى عَوْدِهِمْ إلَيْهِ فَمَنْ أَعْسَرَ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِيَسَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) وَكَذَا إقَامَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ) وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الرَّجْعِيَّةَ وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هِيَ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَوْلَى مِنْهُمَا لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِتَقَدُّمِهِ فِي عِبَارَةِ

ــ

[حاشية عميرة]

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى السَّاعَاتِ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَهُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْمَجْنُونِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ نِسْبَةُ تَصْحِيحِ الصِّحَّةِ إلَى الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ.

[شَرْطُ وُجُوب الْحَجّ]

قَوْلُهُ: (قَالَ اللَّهُ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَهُوَ إجْمَاعٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ) فَإِذَا أَسْلَمَ كُلِّفَ بِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَعَلَ مِنْ التَّرِكَةِ، وَاسْتَشْكَلَ اعْتِبَارُ اسْتِطَاعَتِهِ عَلَى قَوْلِ زَوَالِ مِلْكِهِ، أَمَّا اسْتِطَاعَتُهُ قَبْلَهَا فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ، وَكَذَا لَا أَثَّرَ لِلْوُجُوبِ أَعْنِي غَيْرَ الْعِقَابِ، فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مُرْتَدًّا حَتَّى مَاتَ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى الْحَجِّ عَنْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَوْعِيَتِهِ) حَتَّى السُّفْرَةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ) هَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هِيَ أَحْسَنُ لِإِيهَامِ الْأُولَى أُجْرَةَ السَّفَرِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: (مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ) يَنْبَغِي أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>