للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّكْلِيفُ. (فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونِ) . وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهَا، وَالْمُمَيِّزُ يُحْرِمُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَقِيلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَصْلُ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالصَّبِيَّةِ أَيْضًا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ. نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» وَقِيسَ الْمَجْنُونُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْوَلِيُّ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ. وَقِيلَ مَعَ وُجُودِهِ أَيْضًا وَكَذَا الْوَصِيُّ، وَقِيمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَذِنَ الْأَبُ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ فَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ صِحَّتُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ صِفَةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا، فَيَصِيرَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجَهَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِهِ وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ، وَيُحْضِرُهُ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَالْمَوَاقِفَ، وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ، وَالْمُمَيِّزُ يَطُوفُ وَيُصَلِّي وَيَسْعَى بِنَفْسِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَجْنُونَ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِيمَا ذُكِرَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَائِلِ الْعَقْلِ وَبُرْؤُهُ مَرْجُوٌّ عَلَى الْقُرْبِ.

(وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْمَجْنُونِ،

ــ

[حاشية قليوبي]

وَالتَّكْلِيفُ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَجُّ) لَمْ يَقُلْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّتِمَّةِ الْآتِيَةِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَخْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: وَلَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْحَجِّ عَنْ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّ اسْمَ الطَّهَارَةِ يَشْمَلُهُمَا انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الشُّمُولُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ هُنَاكَ وَهُنَا سَوَاءٌ. وَلَا شُمُولَ فِيهِمَا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَلِلْوَلِيِّ إلَخْ) فِي الْمَالِ بِنَفْسِهِ أَمْ مَأْذُونِهِ وَالسَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ غَيْرِ الْبَالِغِ كَالْوَلِيِّ، وَفِي الْمُبَعَّضِ يُشْتَرَطُ إحْرَامُ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ عَنْهُ جَمِيعًا أَوْ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْمُهَايَأَةِ هُنَا.

قَوْلُهُ: (بِالرَّوْحَاءِ) بِالْمَدِّ اسْمُ وَادٍ مَشْهُورٍ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى نَحْوِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْهَا وَفَزِعَتْ أَسْرَعَتْ. قَوْلُهُ: (صَبِيٌّ) أَيْ ذَكَرٌ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِهِ إذْ مِثْلُهُ الصَّبِيَّةُ. قَوْلُهُ: (وَلَك أَجْرٌ) أَيْ عَنْ الْإِحْرَامِ عَنْهُ أَوْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

عَلِمَ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ وِلَايَةً لِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَهُ أَنْ يَنْوِيَ) أَيْ يَقُولَ: نَوَيْت الْإِحْرَامَ عَنْ هَذَا أَوْ عَنْ فُلَانٍ أَوْ جَعَلْته مُحْرِمًا بِكَذَا. وَلَا يَصِيرُ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا بِذَلِكَ ثُمَّ إنْ جَعَلَهُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَالدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَإِذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا، وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهِ وَلَوْ إتْلَافًا أَوْ بِغَيْرِهِ فَعَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا وَيَفْسُدُ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا وَيَقْضِيهِ وَلَوْ فِي حَالِ الصِّبَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ إحْرَامُ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّ شَأْنَ النُّسُكِ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمَالِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ. قَوْلُهُ: (وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَا يَكْفِي فِعْلُ أَحَدِهِمَا حَتَّى إذَا أَرْكَبَهُ دَابَّةً اُعْتُبِرَ كَوْنُهُ قَائِدًا لَهُ أَوْ سَائِقًا بِهِ. وَيُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُمَا مِنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِمَا نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ جَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصَالَةً هُوَ الْوَلِيُّ.

تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ عَنْ وَلَدِ الْكَافِرِ وَإِنْ اُعْتُقِدَ الْإِسْلَامُ وَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ وَلَدِ الْمُسْلِمِ الْكُفْرَ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ عَنْهُ.

وَقَالَ شَيْخُنَا يَضُرُّ فِيهِ إذَا قَارَنَ النِّيَّةَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيُنَاوِلُهُ) أَيْ يُنَاوِلُ الْوَلِيُّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ نَدْبًا بِالْأَحْجَارِ لِيَرْمِيَهَا إنْ قَدِرَ، فَمُنَاوَلَتُهُ لَهُ كَرَمْيِهِ عَنْهُ فَلَيْسَ مُسْتَثْنًى كَمَا قِيلَ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُمَيِّزُ يَطُوفُ بِنَفْسِهِ) وُجُوبًا وَكَذَا السَّعْيُ وَالرَّمْيُ وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الطَّوَافِ فِيهِ لَا فِي

ــ

[حاشية عميرة]

أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. قُلْت: عُذْرُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ حَجُّ كَافِرٍ) أَيْ لَا مِنْهُ وَلَا عَنْهُ. وَأَمَّا وَلَدُ الْمُسْلِمِ إذَا اعْتَقَدَ الْكُفْرَ فَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ: أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ خَالَفَهُ وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَاسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْهُ جَزْمًا. قَوْلُهُ: (لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُؤْخَذُ بِعَضُدِهِ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: وَلَك أَجْرٌ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا تَحُجُّ عَنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالْحَمْلِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ مَأْذُونَةً. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْوَصِيُّ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُ سَفَرِهِمَا بِهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَكَّةَ، وَلَا يَجُوزُ السَّفَرُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ: (فَيَرْمِيهَا إلَخْ) عَلَى هَذَا يَكُونُ مِثْلُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ شَرْطُ مُبَاشَرَتِهِ التَّمْيِيزُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الْمُسْلِمِ) دَخَلَ فِيهِ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ عَصَى وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ إنْ شَاءَ. قَالَ الْإِمَامُ: الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ غَامِضٌ اهـ.

وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ يَكُونُ نَفْلًا، وَبِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ التَّكَالِيفِ كُلِّهَا اُعْتُبِرَ الْكَمَالُ فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>