للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا، هَذَا إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) لِبُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَنَتَ) كَمَا يَقْنُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ.

(وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ) أَوْ يُسْتَحَبُّ (فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ بَاقِيهَا (لِلنَّازِلَةِ) كَالْوَبَاءِ وَالْقَحْطِ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْعَدُوِّ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُقَاسُ غَيْرُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ (لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ) لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي النَّازِلَةِ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَمَحَلُّهُ اعْتِدَالُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ.

(السَّابِعُ: السُّجُودُ وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَعِصَابَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لِجِرَاحَةٍ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَمُوَافَقَتُهُ الْإِمَامَ أَوْلَى كَبَقِيَّةِ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ بِصَدَقْتَ وَبَرَرْت مَعَ أَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ لِمَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مِنْ الرَّابِطَةِ، وَلَوْ رَوَّدَهُ أَيْضًا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا مَرَّ.

وَقَالَ الْخَطِيبُ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَكَالثَّنَاءِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ فِعْلُهُ فَيُوَافِقُ الْإِمَامَ فِيهِ إنْ جَهَرَ بِهِ وَإِلَّا أَسَرَّهُ.

قَوْلُهُ: (فَيُؤَمِّنُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤَمِّنْ إنْ أَتَى فِيهَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ نَحْوُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَيُوَافِقُ فِيهَا إنْ أَتَى بِغَيْرِ لَفْظِهِ نَحْوُ: وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مَرْدُودٌ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنَّفَاتِ وَلَوْ أَتَى الْإِمَامُ بِقُنُوتِ الْإِمَامِ عُمَرَ، فَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ يُشَارِكُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى: اللَّهُمَّ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ فَيُؤَمِّنُ إلَخْ، وَيَتَوَقَّفُ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) وَكَذَا لَوْ سَمِعَ صَوْتَهُ وَلَمْ يُمَيِّزْ حُرُوفَهُ. قَوْلُهُ: (قَنَتَ) أَيْ سِرًّا كَمَا يَقْنُتُ الْمَأْمُومُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسِرُّ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فِي الصُّبْحِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى فِي كُلِّ نَازِلَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيهَا) لِأَنَّ الصُّبْحَ فِيهَا الْقُنُوتُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُهَا فَيُكْرَهُ فِي الْجِنَازَةِ وَفِي نَفْلٍ لَمْ تُطْلَبْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ. وَيُبَاحُ فِيمَا طُلِبَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ مِنْهُ. قَوْلُهُ (لِلنَّازِلَةِ) أَيْ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ بِمَنْ يَقْنُتُ أَوْ بِغَيْرِهِ وَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَعَالِمٍ وَشُجَاعٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ شَيْخُنَا: الزِّيَادِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ. قَوْلُهُ: (كَالْوَبَاءِ وَالْقَحْطِ) وَكَذَا الْجَرَادُ وَالطَّاعُونُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ) أَيْ يُبَاحُ فِي النَّازِلَةِ وَغَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ) أَيْ لَا الْمُنْفَرِدُ وَفِيهِ مَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (السُّجُودُ) وَهُوَ لُغَةً التَّطَامُنُ وَالذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرُّكُوعِ، وَمِنْهُ {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠] كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: ٣٤] وَحِكْمَةُ تَكْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ كَوْنُهُ مَحَلَّ إجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ لِأَنَّ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

سَجَدَ لَمَّا أُخْبِرَ بِأَنَّ اللَّهَ تَابَ عَلَيْهِ، فَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ رَأَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَسَجَدَ ثَانِيًا، أَوْ لِأَنَّ النَّفْسَ عَاتَبَتْ صَاحِبَهَا بِوَضْعِ أَشْرَفِ أَعْضَائِهِ عَلَى مَحَلِّ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ وَقَرْعِ النِّعَالِ فَأَعَادَهُ إرْغَامًا لَهَا، أَوْ لِأَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ حِينَ أُمِرَ بِهِ لِآدَمَ فَكَرَّرَ رَغْمًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (جَبْهَتِهِ) وَهِيَ طُولًا مَا بَيْنَ صُدْغَيْهِ وَعَرْضًا مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا حَائِلٌ) نَعَمْ لَا يَضُرُّ شَعْرٌ نَبَتَ عَلَيْهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَكْفِيهِ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا، وَإِنْ سَهُلَ عَلَى الْخَالِي مِنْهُ لِأَنَّهُ مِثْلُ بَشَرَتِهَا وَخُصَّتْ بِالْكَشْفِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِسُهُولَتِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ غَايَةِ

ــ

[حاشية عميرة]

أَيْ يَجْهَرُ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ الثَّنَاءَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسِرُّهُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُؤَمِّنُ فِيهِ أَيْضًا) أَيْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّأْمِينَ وَإِنْ قَارَنَ الثَّنَاءَ يَرْجِعُ إلَى الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّنَاءَ الْمَذْكُورَ لَهُ ارْتِبَاطٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ السَّابِقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ) لَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يَفْهَمْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَعَدَمِ السَّمَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَقْنُتُ بِنَاءً) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ كَمَا يَقْنُتُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْإِمَامِ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ.

[الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ]

قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيهَا) أَيْ، وَأَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ سَلَفَ.

(تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَتْ النَّازِلَةُ خَاصَّةً فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ وَلِغَيْرِهِ الْقُنُوتُ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُهُ: (قَنَتَ شَهْرًا) .

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْقُنُوتِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَفْعَ تَمَرُّدِ الْقَاتِلِينَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النَّازِلَةِ كَمَا شَرَحَهُ كَذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ قُلْت: الْكَلَامُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَوَّلًا أَنْ يُشْرَعَ بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُقَابِلًا لِأَوَّلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ إلَخْ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (السُّجُودُ) هُوَ لُغَةً التَّطَامُنُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ) سَيَأْتِي دَلِيلُهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>