مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ) بِإِعْجَامِ الذَّال (وَسُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ) فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ نَاشِئٌ عَنْ اسْتِهْزَاءٍ بِالدِّينِ أَوْ جُحُودٍ لَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَمَثَّلَ بِهَا.
(وَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَ) لَا (مَجْنُونٍ وَ) لَا (مُكْرَهٍ) أَيْ لَا اعْتِبَارَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مِمَّا هُوَ رِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لِانْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِمْ (وَلَوْ ارْتَدَّ فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقِلُ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ (وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ وَإِسْلَامِهِ) عَنْ رِدَّتِهِ وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِصِحَّتِهَا وَفِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَإِنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ.
(وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ (وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلُ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يُوجِبُهَا، وَالْأَوَّلُ قَالَ لِخَطَرِهَا لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدُ بِهَا إلَّا عَنْ بَصِيرَةٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدُوا بِرِدَّةٍ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ) فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِهَا (فَلَوْ قَالَ كُنْت مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ كَأَسْرِ كُفَّارٍ) لَهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَحَلَفَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُخْتَارًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ قَرِينَةٌ (فَلَا) يُصَدَّقُ وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ (وَلَوْ قَالَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (لَفْظَ كُفْرٍ فَادَّعَى إكْرَاهًا صُدِّقَ مُطْلَقًا) بِقَرِينَةٍ أَوْ دُونَهَا وَالْحَزْمُ أَنْ يُجَدِّدَ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ.
(وَلَوْ مَاتَ مَعْرُوفٌ بِالْإِسْلَامِ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ كُفْرِهِ) كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ (لَمْ يَرِثْهُ وَنَصِيبُهُ فَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ،
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا) خَرَجَ بِالْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَنَحْوِ النَّوْمِ، وَبِالِاسْتِهْزَاءِ نَحْوُ إكْرَاهٍ أَوْ خَوْفٍ كَسُجُودِ أَسِيرٍ لِصَنَمٍ بِحَضْرَةِ كَافِرٍ وَإِلْقَاءِ نَحْوِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَظُنَّ إهَانَتَهُ لَهُ، وَبِالصَّرِيحِ مَا كَانَ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْهُ كَالْبُصَاقِ عَلَى اللَّوْحِ لِأَجْلِ مَسْحِ مَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ) بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْعَزْمِ وَالتَّرَدُّدُ فِيهِ وَمَسُّهُ بِهَا كَإِلْقَائِهِ فِيهَا وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ وَضْعَ رِجْلِهِ عَلَيْهِ، وَنُوزِعَ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ، وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ وَكُلُّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ مَا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ، قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَلَا بُدَّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِهَانَةِ وَإِلَّا فَلَا وَشَمَلَتْ الْقَاذُورَةَ الطَّاهِرَةَ كَبُصَاقٍ وَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَمْسٍ) وَكَذَا كُلُّ مَخْلُوقٍ وَلَوْ حَيًّا وَالرُّكُوعُ كَالسُّجُودِ وَمِنْهُ الِانْحِنَاءُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعُظَمَاءِ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِمَا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ الرَّاكِعِ لَهُ، أَوْ السَّاجِدُ لَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ فَهُوَ كَافٍ عَنْ الْجُحُودِ فَذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُسْتَدْرَكٌ.
قَوْلُهُ: (أَيْ لَا اعْتِبَارَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ وَصْفَ مَا ذُكِرَ بِالصِّحَّةِ وَتَسْمِيَتُهُ رِدَّةً مَجَازٌ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَجُنَّ) أَفَادَ بِالْفَاءِ أَنَّ الْجُنُونَ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ الرِّدَّةِ، وَإِلَّا بِأَنْ طُولِبَ وَامْتَنَعَ قَبْلَ جُنُونِهِ فَيُقْتَلُ فِيهِ حَتْمًا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُقْتَلْ) أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ وَإِنْ أَثِمَ.
قَوْلُهُ: (صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ) أَيْ الْمُتَعَدِّي لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ اسْتِتَابَتِهِ إلَى إفَاقَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِسْلَامُهُ عَنْ رِدَّتِهِ) وَلَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ فَمُرْتَدٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْحَاكِيَةِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقِ الْقَطْعِ فِي الرِّدَّةِ، وَالْمُخَالِفُ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْهُ.
[الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ]
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا تَفْصِيلٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (أَيْ عَلَى وَجْهٍ إلَخْ) أَيْ فَمُطْلَقًا لَيْسَ مِنْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ كَمَا يُتَوَهَّمُ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ تَفْصِيلِ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ فَيَكْفِي كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِيمَانِ وَكَذَا كَفَرَ أَوْ ارْتَدَّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَلَوْ طَلَبُوا مِنْ حَاكِمٍ عِصْمَةَ دَمِهِ خَوْفًا مِنْ رَفْعِهِ لِحَاكِمٍ لَا يَقْبَلُ النَّوْبَةَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، أَجَابَهُمْ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى التَّوْبَةَ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلُ) وَمَشَى عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ.
قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُهُ إلَخْ) فَإِنْ أَبَى قُتِلَ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ كُنْت مُكْرَهًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عُمِلَ بِالشَّهَادَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ.
قَوْلُهُ: (لَفَظَ لَفْظَ كُفْرٍ) أَوْ فَعَلَ فِعْلَ كُفْرٍ وَادَّعَى إكْرَاهًا صُدِّقَ أَيْ بِيَمِينِهِ مُطْلَقًا بِقَرِينَةٍ أَوْ دُونَهَا وَفَارَقَ الطَّلَاقَ فِي عَدَمِ الْقَرِينَةِ، وَبِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَبِحَقْنِ الدُّعَاءِ هُنَا.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (وَالْفِعْلُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَأْتِي فِي قِسْمِ الِاعْتِقَادِ أَيْضًا، قَوْلُهُ: (مَا تَعَمَّدَهُ) خَرَجَ غَيْرُ الْعَمْدِ كَالسَّهْوِ، قَوْلُهُ: (صَرِيحًا) خَرَجَ الْفِعْلُ الْمُتَرَدِّدُ كَشَدِّ الزُّنَّارِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ الْكُفْرِ مَثَلًا فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى صَرِيحِ الْكُفْرِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ: (بِالدِّينِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا اعْتِبَارَ) يُرِيدُ أَنَّ الرِّدَّةَ مَعْصِيَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَكَيْفَ تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا ثُمَّ دَلِيلُ الْإِكْرَاهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ عَدَمَ اعْتِبَارِ رِدَّةِ الصَّبِيِّ، وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِذَا أَوْجَبُوا قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ إذَا عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ، فَهَلَّا اعْتَبَرُوا لَفْظَهُ بِالْكُفْرِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ أَيْضًا، قَوْلُهُ: (بِهَا) أَيْ لِعَدَمِ التَّفْصِيلِ لَا إنْكَارَ كَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ،
[رِدَّة الصَّبِيّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ]
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) بَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْكُفْرِ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَنَظِيرِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى،