للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَفَعَ بِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الرِّقِّ حَتَّى تُعْتَبَرَ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ مِنْ نِصْفِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي غَيْرُهَا، وَمِنْ إعْتَاقِ السَّيِّدِ جَاءَ النُّقْصَانُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْطُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لَهُ فَظَاهِرٌ.

(وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ) كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ (وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ) أَيْ بِسِرَايَةِ قَطْعِهِمْ (فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا) لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ (وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ) لِوُجُودِهَا، وَلِلسَّيِّدِ عَلَى الْأَوَّلِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَأَرْشُ الْقَطْعِ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِي قَوْلٍ الْأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَثُلُثِ الْقِيمَةِ.

فَصْلٌ (يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ كَالْيَدِ (وَالْجُرْحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ (مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ) مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا عُدْوَانًا وَالْجَانِي مُكَلَّفًا مُلْتَزَمًا، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا (وَلَوْ وَضَعُوا سَيْفًا عَلَى يَدِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا) بِشَرْطِهِ (وَشِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ جَمْعُ شَجَّةٍ بِفَتْحِهَا (عَشْرٌ حَارِصَةٌ) بِمُهْمَلَاتٍ (وَهِيَ مَا شَقَّ الْجِلْدَ قَلِيلًا) نَحْوُ الْخَدْشِ (وَدَامِيَةٌ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ (تُدْمِيهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُدْمِي الشَّقَّ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانِ الدَّمِ، وَقِيلَ مَعَهُ (وَبَاضِعَةٌ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ. (تَقْطَعُ اللَّحْمَ) بَعْدَ الْجِلْدِ، (وَمُتَلَاحِمَةٌ) بِالْمُهْمَلَةِ (تَغُوصُ فِيهِ) أَيْ اللَّحْمِ، وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ بَعْدَهُ (وَسِمْحَاقٌ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ) ، وَتُسَمَّى الْجِلْدَةُ بِهِ أَيْضًا (وَمُوضِحَةٌ تُوَضِّحُ الْعَظْمَ) بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ أَيْ تُظْهِرُهُ.

(وَهَاشِمَةٌ تُهَشِّمُهُ)

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ) أَيْ الْقَوَدُ عَلَى الْآخَرَيْنِ فَإِنْ وُجِدَ عَفْوٌ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا فَعَلَيْهِمَا ثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثُهَا يَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْهُ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَمَا زَادَ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا وَلَوْ جَرَحَهُ الْأَوَّلُ أَيْضًا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ سُدُسِ الدِّيَةِ، وَنِصْفِ الْقِيمَةِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يُمْكِنْ وَارِثٌ أَخَذَ السَّيِّدُ الزَّائِدَ أَيْضًا بِالْوَلَاءِ لِأَنَّهُ الْوَارِثُ الْآنَ.

فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي قَوَدِ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَمَا مَعَهَا قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ) ، وَلَوْ طَرَفَ عَبْدِ الْمُكَاتِبِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ نَعَمْ قَدْ يُوجَدُ قِصَاصُ النَّفْسِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ قِصَاصُ الطَّرَفِ كَمَا لَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ عَتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً، وَكَمَا فِي شَلَلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ السَّلِيمُ بِالْأَشَلِّ، وَلَا يُقْطَعُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ الِانْضِبَاطُ بِخِلَافِ الطَّرَفِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَهُوَ بِسُكُونِهَا لِلْبَصَرِ قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْجِيمِ) ، وَهُوَ بِفَتْحِهَا نَفْسُ الْفِعْلِ أَوْ مَحَلُّهُ وَالْمَعَانِي كَالْجُرْحِ قَوْلُهُ: (مَعْصُومًا) وَمُكَافِئًا أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَضَعُوا) أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ: (سَيْفًا) مِثْلُهُ كُلُّ مُحَدِّدٍ يَقْطَعُ وَمِنْهُ مِنْشَارٌ تَجَاذَبُوهُ، فَإِنْ أَمْسَكَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْجَذْبِ عِنْدَ جَذْبِ غَيْرِهِ، فَلَا قَوَدَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ.

قَوْلُهُ: (وَتَحَامَلُوا) أَيْ كُلُّهُمْ فَقَطْ قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ السَّيْفِ قَوْلُهُ: (دَفْعَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمَرَّةُ وَبِضَمِّهَا مَا يَنْصَبُّ مِنْ مَطَرٍ أَوْ إنَاءٍ مَرَّةً، وَكُلٌّ صَحِيحٌ هُنَا وَخَرَجَ بِهَا مَا لَوْ تَمَيَّزَ فِعْلُ بَعْضِهِمْ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ حُكُومَةٌ تَلِيقُ بِفِعْلِهِ، وَيَجِبُ بُلُوغُ مَجْمُوعِ الْحُكُومَاتِ دِيَةَ الْيَدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفَارَقَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحَاتِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ هُنَا: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَطَعَ يَدًا. قَوْلُهُ: (وَشِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) إضَافَتُهُمَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِهِمَا. يُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْآتِيَةُ مِنْ الْحَارِصَةِ، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْعَشْرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ قَوْلُهُ: (عَشْرٌ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّ أَسْمَاءَهَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ قَوْلُهُ: (حَارِصَةٌ) مِنْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ شَقَّهُ وَتُسَمَّى قَاشِرَةً أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَقِيلَ مَعَهُ) وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ دَامِعَةً بِمُهْمَلَاتٍ وَبِهِ مَعَ الْقَاشِرَةِ تَكُونُ الْأَسْمَاءُ اثْنَيْ عَشَرَ اسْمًا.

قَوْلُهُ: (وَمُتَلَاحِمَةٌ) تَفَاؤُلًا بِالْتِحَامِهَا قَوْلُهُ: (وَسِمْحَاقٌ بِكَسْرِ السِّينِ) مَأْخُوذٌ مِنْ سَمَاحِقِ الْبَطْنِ، وَهُوَ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ فِيهَا، وَيُقَالُ لَهَا لَاطِيَةٌ وَمِلْطَاةٌ وَمُلْطَةٌ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْأَسْمَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلُهُ: (وَتُسَمَّى الْجِلْدَةُ بِهِ) وَكَذَا كُلُّ جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ قَوْلُهُ: (تُظْهِرُهُ)

ــ

[حاشية عميرة]

فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ دَلِيلُ الْقِصَاصِ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: ٤٥] الْآيَةَ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَا شَرَطَ لِلنَّفْسِ مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا إلَخْ. فَلِأَنَّ الشَّرْعَ مُعْتَنٍ بِصِيَانَةِ النُّفُوسِ أَعْنِي فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِلنَّفْسِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ مَا دُونَ النَّفْسِ لَشَمِلَ الْمَعَانِيَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَرِدُ كَوْنُ السَّلِيمَةِ لَا تُقْطَعُ بِالشَّلَّاءِ وَالْكَامِلَةِ الْأَصَابِعُ لَا تُقْطَعُ بِنَاقِصَتِهَا وَلَوْ قَتَلَهُ لَقُتِلَ بِهِ لِأَنَّ قِصَاصَ النَّفْسِ لِصِيَانَةِ الرُّوحِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهَا وَالشَّلَلُ وَالنُّقْصَانُ لَا يَحِلَّانِهَا، وَقِصَاصُ الطَّرَفِ لِصِيَانَتِهِ وَقَدْ تَفَاوَتَا فِيهِ اهـ. الْغَزَالِيُّ هُوَ يُفَارِقُ النَّفْسَ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ قِصَاصَ النَّفْسِ يَجِبُ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جِنَايَتِهَا الِانْضِبَاطُ بِخِلَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ضَمِنَهُ وَهَذَا يُلْغَزُ بِهِ.

[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ مِنْ الْعَمْد وَالتَّكْلِيف]

قَوْلُهُ: (قُطِعُوا) كَالنَّفْسِ قَوْلُهُ: (عُشْرُ) الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْرَاءُ قَوْلُهُ: (أَيْ تُظْهِرُهُ) أَيْ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَيْهَا مَا يُوضَعُ فِي الْجُرْحِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْعَظْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>