للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِمْسَاكِ كُلٍّ مِنْهُنَّ زَمَنَ ظِهَارِ مَنْ وَلِيَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ الرَّابِعَةَ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ.

(وَلَوْ كَرَّرَ) لَفْظَ الظِّهَارِ (فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ) فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَكَفَّارَةٌ، وَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّأْكِيدِ عَائِدٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْمُكَرَّرَةَ لِلتَّأْكِيدِ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُكْمِ (أَوْ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ) التَّعَدُّدُ (لِلظِّهَارِ بَعْدَ) الْمُسْتَأْنَفِ، وَالثَّانِي لَا يَتَعَدَّدُ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعَدُّدِ (أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي) الظِّهَارِ (الْأَوَّلِ) لِلْإِمْسَاكِ زَمَنَهَا، وَالثَّانِي لَا يَكُونُ عَائِدًا بِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ، فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْجِنْسِ لَا يُجْعَلُ عَائِدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّكْرَارِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ اتِّحَادُ الظِّهَارِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِقُوَّتِهِ بِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلًا عَنْ الْمُنْفَصِلِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ الظِّهَارُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ فِي قَصْدِ التَّأْكِيدِ أَيْ إعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ.

كِتَابُ الْكَفَّارَةِ ذَكَرَ فِيهِ خِصَالَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ، وَصَدَّرَهُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ، (يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا) أَيْ كَأَنْ يُعْتِقَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يَكْفِي بِنِيَّةِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ نَذْرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ (لَا تَعْيِينُهَا) بِأَنْ يُقَيِّدَ بِالظِّهَارِ، أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ وَقَتْلٍ فَأَعْتَقَ عَبْدًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَقَعَ مَحْسُوبًا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهَا فِي النِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا فِي مُعْظَمِ خِصَالِهَا نَازِعَةٌ إلَى الْغَرَامَاتِ، فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ فَإِنْ عَيَّنَ فِيهَا وَأَخْطَأَ، كَأَنْ نَوَى كَفَّارَةَ قَتْلٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية قليوبي]

لَفْظَ ظِهَارٍ) أَيْ غَيْرَ مُوَقَّتٍ لِعَدَمِ الْعَوْدِ فِيهِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مُتَّصِلًا) وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ. قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ تَأْكِيدًا) وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتِئْنَافًا) وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ.

قَوْلُهُ: (بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ عَائِدٌ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَوْ قَصَدَ التَّأْكِيدَ فِي بَعْضٍ، وَالِاسْتِئْنَافَ فِي بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.

قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ اتِّحَادُ الظِّهَارِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

فَرْعٌ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَةٍ وَقَالَ سَيِّدُهَا: أَعْتِقْهَا عَنْ كَفَّارَتِي فَفَعَلَ عَتَقَتْ عَنْهَا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ لِتَضَمُّنِ الْعِتْقِ مِلْكَهُ لَهَا.

كِتَابُ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَهُوَ الْمَحْوُ أَوْ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ، أَوْ السَّتْرُ، وَمِنْهُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَمِنْهُ الزَّارِعُ مَثَلًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ، وَأَصْلُهَا سَتْرُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ.

وَهِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَمُسْلِمٍ لَا إثْمَ عَلَيْهِ زَاجِرَةٌ، وَفِي حَقِّ مُسْلِمٍ آثِمٍ جَابِرَةٌ وَزَاجِرَةٌ وَهَذَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ إذْ لَا جَبْرَ وَلَا زَجْرَ فِي نَحْوِ الْمَنْدُوبِ كَمَا يَأْتِي، وَتَقَدَّمَ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ عَصَى بِسَبَبِهَا خِلَافًا لِظَاهِرِ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْفَوْرِ، وَهِيَ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ لَكِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا رِعَايَةُ الرِّفْقِ بِالْفُقَرَاءِ، فَصَحَّتْ النِّيَّةُ فِيهَا مِنْ الْكَافِرِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَحْوَ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَزَكَاةِ الْمُرْتَدِّ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ مَالِهِ.

قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا) وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا أَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْفِعْلِ فَتَكْفِي عِنْدَ عَزْلِ الْمَالِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، أَوْ عِنْدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي بِنِيَّةِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ) . نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقًا وَشَكَّ فِي سَبَبِهِ، هَلْ هُوَ نَذْرٌ، أَوْ كَفَّارَةُ قَتْلٍ كَفَاهُ نِيَّةُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ.

قَوْلُهُ: (نَازِعَةٌ) أَيْ مَائِلَةٌ إلَى تَصَرُّفِ الْمَالِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا، وَنَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا قَالُوهُ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (مُتَوَالِيَةٍ) احْتَرَزَ مِنْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِيهَا مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ

[كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا]

قَوْلُهُ: (فَظِهَارٌ وَاحِدٌ) أَيْ كَالطَّلَاقِ قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَتَعَدَّدُ) أَيْ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي التَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ ظِهَارَ الْأَجْنَبِيَّةِ، قَوْلُهُ: (لِقُوَّتِهِ بِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ) وَلِأَنَّ عَدَدَهُ مَحْصُورٌ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهُ فَيُحْمَلُ تَكْرَارُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ الْمَمْلُوكِ بِخِلَافِ الظِّهَارِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا يَتَعَدَّدُ) مَحَلُّ هَذَا إذَا صَدَرَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ الْأَوَّلِ

[كِتَابُ الْكَفَّارَةِ]

قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِعْلُ مَا يَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهَا، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ فِعْلُ مَا يَجِبُ بِالْعَوْدِ فِيهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . اهـ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَلْ الْكَفَّارَةُ زَاجِرَةٌ أَوْ جَابِرَةٌ الظَّاهِرُ الثَّانِي، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَالَ الْإِمَامُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِرْفَاقُ وَسَدُّ الْحَاجَاتِ وَمَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَغَرَضُهَا الْأَظْهَرُ الْإِرْفَاقُ اهـ.

وَنَبَّهَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَلَى أَنَّهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ بِمَعْنَى الزَّجْرِ لَا غَيْرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَقِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ قَوْلُهُ: (وَالْإِطْعَامِ) هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>