للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْكِتَابَةِ يُعْلَمُ الْمُرَادُ بِهَا مِنْ صِيغَتِهَا الْآتِيَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ) وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ (قِيلَ أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ) عَلَى الْكَسْبِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَمِينُ يُعَانُ بِالصَّدَقَاتِ لِيَعْتِقَ وَالْأَوَّلُ قَالَ لَا وُثُوقَ بِذَلِكَ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِقَوِيٍّ غَيْرِ أَمِينٍ كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ الْخَيْرَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ وَالشَّافِعِيُّ ضَمَّ إلَيْهَا الْأَمَانَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضَيِّعُ مَا يَكْسِبُهُ فَلَا يَعْتِقُ، (وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ فَقْدِ الْوَصْفَيْنِ قَدْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ وَلَا تَجِبُ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ الْمَوْصُوفُ بِهِمَا، وَإِلَّا لَبَطَلَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَاحْتَكَمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ، (وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُك عَلَى، كَذَا) كَأَلْفٍ (مُنَجَّمًا إذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ) وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الْمُؤَدَّى فِيهِ وَيَكْفِي ذِكْرُ نَجْمَيْنِ (وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْلِيقِ) أَيْ إذَا إلَى آخِرِهِ (وَنَوَاهُ) بِقَوْلِهِ كَاتَبْتُكَ عَلَى، كَذَا إلَى آخِرِهِ، (جَازَ وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ وَلَا نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ يَكْفِي كَالتَّدْبِيرِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ مَشْهُورٌ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا إلَّا الْخَوَاصُّ، (وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ قَبِلْت) وَبِهِ تَتِمُّ الصِّيغَةُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى الْكِتَابَةِ عَقْدُ

ــ

[حاشية قليوبي]

يَصْدُقُ وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْوَارِثِ لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ.

كِتَابُ الْكِتَابَةِ

بِكَسْرِ الْكَافِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِكَتْبِهَا فِي كِتَابٍ وَهِيَ لُغَةً: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَشَرْعًا: عَقْدٌ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٌ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ لَكِنْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ إلَّا السَّلَمُ وَالنِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ. قَوْلُهُ: (يُعْلَمُ الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ) أَيْ يُعْلَمُ تَعْرِيفُهَا وَأَرْكَانُهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مَالِكٌ وَرَقِيقٌ وَصِيغَةٌ وَعِوَضٌ وَالصِّيغَةُ الْآتِيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا، فَأَغْنَتْ عَنْ ذِكْرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَبِهِمَا) أَيْ الْكَسْبِ وَالْأَمَانَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَدْ يَضِيعُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا الْمُرَادُ مِنْ الْأَمَانَةِ لَا نَحْوُ عِبَادَةٍ وَصَلَاةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ) فَهِيَ مُبَاحَةٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَإِلَّا فَقَدْ تُكْرَهُ لِعَارِضٍ كَأَنْ ظَنَّ كَسْبَهُ بِمُحَرَّمٍ وَيَحْرُمُ إنْ عُلِمَ ذَلِكَ كَفُجُورٍ وَقَدْ تَجِبُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ، إذَا تَوَقَّفَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى كِتَابَتِهِ مَثَلًا فَرَاجِعْهُ فَتَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَوْلُهُ: (لَبَطَلَ إلَخْ) وَبِذَلِكَ فَارَقَ بَقَاءَ الْإِيتَاءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (إذَا أَدَّيْته) أَوْ بَرِئْت مِنْهُ أَوْ فَرَغْت مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِيُفَارِقَ الْمُخَارَجَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُبَيِّنُ) أَيْ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصِّيغَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي ذِكْرُ نَجْمَيْنِ) فَالْمُرَادُ مِنْ الْجَمْعِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْعَقْدِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا طُولُ زَمَانٍ، فَيَكْفِي نَحْوُ سَاعَتَيْنِ لِإِمْكَانِ نَحْوِ الْإِقْرَاضِ وَيَرْجِعُ فِي النِّيَّةِ إلَيْهِ وَتَصِحُّ بِتَقَدُّمِ قَبُولِ الْعَبْدِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ. قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهَا تَعْلِيقٌ وَالنِّيَّةُ لَا تُخَلِّصُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي إلَخْ) فَالْكِتَابَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ فَقَوْلُهُ بِلَا تَعْلِيقٍ أَيْ بِلَا تَلَفُّظٍ بِهِ بِأَنْ عُدِمَ لَفْظُهُ وَنِيَّتُهُ مَعًا قَوْلُهُ: (مُخْرِجٌ) أَيْ مِنْ التَّدْبِيرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ) فَوْرًا بِنَفْسِهِ لَا بِوَكِيلِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمَكَاتِبُ وَالْمُكَاتَبُ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَفَتْحِهَا فِي الْآخَرِ قَوْلُهُ: (مُخْتَارَيْنِ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَلَا لَهُ فَقَوْلُ الْمَنْهَجِ إنَّ الِاخْتِيَارَ مِنْ زِيَادَتِهِ فِيهِ

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الْكِتَابَةِ]

ِ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَنْ كَسْبٍ) أَيْ بِحَيْثُ تَفِي بِالنُّجُومِ. قَوْلُهُ: (الْخَيْرُ فِي الْآيَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْخَيْرَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨] وَبِمَعْنَى الدِّينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] .

فَائِدَةٌ: حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ وَارِدٌ بَعْدَ النَّهْيِ، وَهُوَ أَنَّ بَيْعَ الْإِنْسَانِ مَالَهُ بِمَالِهِ مَحْظُورٌ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بَعْدُ فِيهَا لِلْإِبَاحَةِ، وَثَبَتَ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ.

وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ الصَّارِفُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] حِينَ وَكَّلَ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ السَّادَاتِ.

قَوْلُهُ: (إذَا أَدَّيْتَهُ إلَخْ) لَيْسَ تَعْلِيقًا مَحْضًا وَإِنَّمَا هُوَ تَعْبِيرٌ عَنْ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ وَمَآلِهَا بِدَلِيلِ حُصُولِ الْعِتْقِ بِالْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُبَيِّنُ إلَخْ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ كَالْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْوَقْتُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِالنُّجُومِ فَسُمِّيَ الْوَقْتُ نَجْمًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (جَازَ) لَمْ يُجْرُوا فِي ذَلِكَ خِلَافَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ نَظَرًا لِجَانِبِ الْعَتِيقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِلَا تَعْلِيقٍ) قَالَهُ الْإِمَامُ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا نِيَّةَ) لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك فَقَطْ لَمْ يَكْفِ قَطْعًا.

[شَرْطُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتِبِ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِطْلَاقٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ يُغْنِي عَنْ التَّكْلِيفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>