للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُسْتَحَبُّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ

(وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) ، لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَدَيْنِهِ، (أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) عَلَى الْإِضَافَةِ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ. (وَإِلَّا فَلَا) يُسْتَحَبُّ، وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا.

كِتَابُ النِّكَاحِ أَيْ التَّزْوِيجِ (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ (يَجِدُ أُهْبَتَهُ) أَيْ مُؤْنَتَهُ مِنْ مَهْرٍ، وَغَيْرِهِ تَحْصِينًا لِلدِّينِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا، (فَإِنْ فَقَدَهَا اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ) إرْشَادًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ، أَيْ دَافِعٌ لِشَهْوَتِهِ، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ

ــ

[حاشية قليوبي]

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالْوَطْءُ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ، فَهُوَ مِلْكُ انْتِفَاعٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَبِقَرِينَةِ حَدِيثِ «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» أَيْ حَتَّى يُوجَدَ بِالْوَطْءِ لِيَقْتَضِيَ غَالِبًا اللَّذَّةَ الْمُشَبَّهَةَ بِالْعَسَلِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَإِنْ نُدِبَ نَظَرًا لِأَصْلِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَقَالَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ: أَصْلُهُ النَّدْبُ وَتَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ مُرَادُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَعَلَيْهِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْمُرَادُ نَذْرُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِهِ النَّاذِرُ وَفَائِدَتُهُ حِفْظُ النَّسْلِ وَتَفْرِيغُ مَا يَضُرُّ حَبْسُهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَحُصُولُ اللَّذَّةِ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ التَّزْوِيجُ) أَيْ الْقَبُولُ وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا عَنْ الضَّمِيرِ لَكَانَ أَنْسَبَ. قَوْلُهُ: (هُوَ مُسْتَحَبٌّ) وَلَوْ لِمَمْسُوحِ إلَّا بِدَارِ حَرْبٍ هَوْنًا لِوَلَدِهِ عَنْ الرِّقِّ أَوْ الْكُفْرِ، وَقَدْ يَجِبُ فِي نَحْوِ مَنْ طَلَّقَهَا وَلَهَا حَقُّ قَسْمٍ، وَنَحْوُ خَائِفِ عَنَتٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَحْرُمُ فِي نَحْوِ مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ وَسَيَأْتِي كَرَاهَتُهُ.

فَرْعٌ: يَجْرِي فِي التَّسَرِّي مِثْلُ مَا فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَتُوقَ) فَسَّرَ الْحَاجَةَ بِذَلِكَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيُنْدَبُ لِنَحْوِ خِدْمَةٍ وَإِينَاسٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَهْرٍ) أَيْ الْحَالِّ مِنْهُ قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) هُوَ نَفَقَةُ يَوْمٍ وَكِسْوَةُ فَصْلٍ. قَوْلُهُ: (وَيَكْسِرُ إلَخْ) أَيْ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي كَسْرِ شَهْوَةِ الْمَرْأَةِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إرْشَادٌ) أَيْ مِنْ الشَّارِعِ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ مُثِيرٌ لِلْحَرَارَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى زِيَادَةِ الشَّهْوَةِ مَرْدُودٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ) أَيْ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَفِيهِ عَدَمُ الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ طَلَبِ التَّرْكِ الْمُعَبَّرِ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (بِالْمَدِّ) أَيْ مَعَ الْمُثَنَّاةِ، وَأَمَّا بِالْقَصْرِ وَالْهَاءِ فَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ شَهْوَتُهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ) بَلْ يَحْرُمُ إنْ قَطَعَ النَّسْلَ وَيُكْرَهُ إنْ فَتَّرَ الشَّهْوَةَ.

فَرْعٌ: قَطْعُ الْحَبَلِ مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ تَتُقْ) أَيْ ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ، وَإِنْ احْتَاجَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْعِبَادَةَ أَفْضَلُ) أَيْ ذَاتُهَا إلَّا التَّخَلِّيَ لَهَا بِدَلِيلِ تَأْوِيلِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ أَبْقَى أَفْضَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَدَّرَ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ) لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ أَفْضَلُ قَطْعًا وَمَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مِنْهَا إنْ قُصِدَ بِهِ إعْفَافٌ أَوْ وَلَدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا الْمُفِيدُ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِوَاجِدِ الْأُهْبَةِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى إطْلَاقِ تَفْضِيلِ الْعِبَادَةِ، وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَبِّدِ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ غَيْرِ الْمُرَتَّبِ فَتَأَمَّلْ.

ــ

[حاشية عميرة]

كِتَابُ النِّكَاحِ قَالَ الزَّجَّاجُ وَيُوضَعُ نَكَحَ فِي كَلَامِهِمْ لِلُزُومِ الشَّيْءِ رَاكِبًا عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَطْءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الضَّمِّ وَعَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ اهـ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الثَّانِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (هُوَ مُسْتَحَبٌّ)) نَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا رَأَيْت مِثْلَ مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ بَعْدُ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٢] قَوْلُهُ: (مُؤَنُ النِّكَاحِ) عِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُؤَنِ، وَأَمَّا الْبَاهُ بِالْقَصْرِ فَهُوَ الْوَطْءُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَرَضِ الِاسْتِئْنَاسِ لَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُكْرَهُ) لَوْ كَانَ الشَّخْصُ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إنْكَاحُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَكِنَّ الْعِبَادَةَ أَفْضَلُ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ عِبَادَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ عِبَادَةً بِوَاسِطَةِ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>