للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا، وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلِغَيْرِ قَرِيبٍ، وَغَيْرِ جَارٍ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

(وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ، (حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) ، فَالتَّصَدُّقُ بِدُونِ أَدَائِهِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ رَجَا وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ، وَفِيهَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ قِيلَ يَحْرُمُ، وَإِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ أَيْ إنَّهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

لِتَشْرَبَ بِهِ قَهْوَةً مَثَلًا فَيَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا شَاءَ.

فَرْعٌ: يُنْدَبُ التَّنَزُّهُ عَنْ قَبُولِ صَدَقَةٍ لِنَحْوِ شَكٍّ حِلٍّ أَوْ هَتْكِ مُرُوءَةٍ أَوْ دَنَاءَةٍ أَوْ ظَنُّهُ أَنَّهَا لِغَرَضٍ، وَلَوْ أُخْرَوِيًّا وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ، وَإِنْ كَثُرَ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ إلَّا إنْ عَلِمَ حُرْمَةَ الْمَأْخُوذِ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ عَرَفَهُ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. قَوْلُهُ: (وَدَفْعُهَا سِرًّا) بِعَدَمِ اطِّلَاعِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي رَمَضَانَ) وَعَشْرُهُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيهِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الْفَضِيلَةِ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَكُسُوفٍ، وَيُؤَخَّرُ عَنْهُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ نَحْوَ مَكَّةَ ثُمَّ الْمَدِينَةِ ثُمَّ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، أَوْ الْأَمْكِنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فِي ذَاتِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَرْعٌ: يُنْدَبُ التَّصَدُّقُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ، وَبِنَحْوِ ثَوْبٍ قَدِيمٍ لِمَنْ لَبِسَ بَدَلَهُ جَدِيدًا. قَوْلُهُ: (وَلِقَرِيبٍ) وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ بَعُدَ فِي الْقَرَابَةِ أَوْ بَعُدَتْ دَارُهُ بِعَمْدِ أَلَّا يَمْنَعَ نَقْلَ الزَّكَاةِ، أَوْ كَانَ كَافِرًا، وَأَفْضَلُهُ مُحَرَّمُ نَسَبٍ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ زَوْجٌ ثُمَّ مُحَرَّمُ رَضَاعٍ ثُمَّ مُصَاهَرَةٍ، ثُمَّ مَوْلَاهُ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ. وَالْعَدُوُّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَجَارٌ) أَيْ بَعْدَ الْقَرِيبِ وَيُقَدَّمُ مِنْهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ أَفْضَلُ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْأَحْوَجُ فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورِينَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُسْلِمُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ) بِمَعْنَى أَنَّ الصَّدَقَةَ الْوَاقِعَةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاقِعَةِ فِي غَيْرِهِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ تَأْخِيرَ الصَّدَقَةِ إلَيْهَا وَإِكْثَارُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ أَفْضَلُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا) إلَّا لِنَحْوِ اقْتِدَاءٍ بِهِ وَخَلَا بِهِ عَنْ نَحْوِ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ، وَإِلَّا كَدَفْعِ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَجَهْرًا أَفْضَلُ فِيهِمَا، وَكَذَا الْمَالِكُ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ فَقَطْ.

تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، فَقَبُولُ الزَّكَاةِ لِنَحْوِ كَسْرِ نَفْسٍ أَوْ مِمَّنْ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ لَمَنَعَهَا أَفْضَلُ وَعَكْسُهُ الصَّدَقَةُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ مُؤْنَتُهُ وَمِنْهُ نَفْسُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، لَا يُسْتَحَبُّ وَهِيَ تَصْدُقُ بِالْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ) وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ) وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) مِمَّا مَرَّ وَمَعَ الْحُرْمَةِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفَارَقَ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالضِّيَافَةُ كَالصَّدَقَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ أَدْنَى ضَرَرٍ لَهُ أَوْ لِمُمَوَّنِهِ وَالْمُرَادُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلُهُ: (لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) نَعَمْ إنْ أَذِنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلْمُتَصَدِّقِ فِي التَّصَدُّقِ، وَقَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ لَمْ يَحْرُمْ التَّصَدُّقُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ لِدَيْنٍ) أَيْ وَالْمُتَصَدِّقُ بِهِ مِمَّا يُعْتَادُ أَنْ يَصْرِفَ فِي الدَّيْنِ لَا نَحْوُ لُقْمَةٍ أَوْ رَغِيفٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى) أَيْ ظَاهِرَةٍ نَعَمْ الْإِيرَادُ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا بِعَكْسِ مَا مَرَّ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاسْتِدْرَاكِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (وَفِيهَا إلَخْ) أَوْرَدَهُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ مِنْ عِبَارَتِهِ وَقَدْ يَشْمَلُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ عِنْدَ حُلُولِهِ. قَوْلُهُ: (قِيلَ يَحْرُمُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّبْرِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْمَنْعِ أَوْ بِالْجَوَازِ وَحَيْثُ لَا حُرْمَةَ فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ قِصَّةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ أَحْوَجَ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ حَاجَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكِسْوَةِ فَصْلٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا م ر وَفِي ابْنِ حَجَرٍ عَنْ حَاجَةِ سَنَةٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ لِنَدْبِ التَّصَدُّقِ بِهِ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْإِضَافَةِ) أَيْ الضِّيقِ مِنْ أَضَاقَ الشَّخْصُ يَضِيقُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ لَا مِنْ ضَاقَ بِمَعْنَى بَخِلَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُسْتَحَبُّ) بَلْ يُكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَدَفْعُهَا سِرًّا) أَيْ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي هِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>