للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَنْت مِنْ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ: وَقِيلَ هُوَ قَذْفٌ لَهُمَا، لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي أَصْلِ الزِّنَى وَاخْتِصَاصَ الْمُخَاطَبِ بِمَزِيدٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا عَدَمُ الْقَذْفِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْقَذْفِ فِيهَا يَكُونُ الْقَائِلُ مُقِرًّا بِالزِّنَى لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَدُفِعَتْ بِأَنَّ النَّاسَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ فِي الذَّمِّ وَالْمُشَاتَمَةِ لَا يَتَقَيَّدُونَ غَالِبًا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لِلَّفْظِ، فَلَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ فِي ذَلِكَ لِغَيْرِ الِاشْتِرَاكِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً لِقَوْلِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِخْوَتِهِ {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} [يوسف: ٧٧]

(وَقَوْلُهُ) لِغَيْرِهِ (زَنَى فَرْجُكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ، أَوْ كَسْرِهَا (أَوْ ذَكَرُكَ) أَوْ قُبُلُكَ، أَوْ دُبُرُكَ (قَذْفٌ) لِأَنَّ مَا ذُكِرَ آلَةُ الْوَطْءِ، أَوْ مَحَلُّهُ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ) زَنَى (يَدُكَ وَعَيْنُكَ) وَرِجْلُكَ، (وَلِوَلَدِهِ: لَسْتَ مِنِّي، أَوْ لَسْتَ ابْنِي كِنَايَةٌ وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ: لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ زِنَى الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ اللَّمْسُ وَالْمَشْيُ وَالنَّظَرُ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ زِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَقِيلَ: فِيهَا وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرْجِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا فِي الْأُخْرَى، فَحَكَى فِيهِمَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ لِسَبْقِهِ إلَى الْفَهْمِ وَأَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الْقَذْفِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَأَوَّلَ نَصَّ الْكِنَايَةِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَحَمَلَ نَصَّ الْقَذْفِ عَلَى مَا إذَا أَرَادَهُ وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ وَزَجْرِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِنَسَبِهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ عَلَى التَّأْدِيبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَيُسْتَفْسَرُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهُ مِنْ زِنًى فَهُوَ قَاذِفٌ لِأُمِّهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُنِي خَلْقًا، أَوْ خُلُقًا فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ صَرِيحٌ أَيْ لَوْ قَالَ لِلْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ: لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ يَعْنِي الْمُلَاعِنَ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي قَذْفِ أُمِّهِ فَلْيُسْأَلْ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت تَصْدِيقَ الْمُلَاعِنِ فِي نِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى فَهُوَ قَاذِفٌ لَهَا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ الْمُلَاعِنَ نَفَاهُ أَوْ انْتِفَاءَ نَسَبِهِ شَرْعًا، أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا، أَوْ خُلُقًا قُبِلَ بِيَمِينِهِ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ لِلْإِيذَاءِ.

ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْقَذْفِ فَقَالَ: (وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ قَاذِفِ الْمُحْصَنِ وَهُوَ قَاذِفُ غَيْرِ مُحْصَنٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْذُوفُ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطُهُ فِي بَابِهِ، وَبَيَانُ التَّعْزِيرِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]

ــ

[حاشية قليوبي]

الرَّاجِحُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْقَذْفِ) أَيْ صَرِيحًا.

قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا بُدَّ فِي الْخُنْثَى أَنْ يَقُولَ زَنَى فَرْجَاك كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ قُبُلُك) نَعَمْ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْت فِي قُبُلِك لَمْ يَكُنْ قَذْفًا.

قَوْلُهُ: (لِوَلَدِهِ إلَخْ) وَلِأَخِيهِ لَسْت أَخِي كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (لَسْت ابْنِي) بِخِلَافِ يَا ابْنَ الزِّنَى وَلَدُ الزِّنَى فَصَرِيحٌ فِي قَذْفِ أُمِّهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ الْمَيْلُ إلَى عَدَمِ الْقَذْفِ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ وَجِيهٌ.

قَوْلُهُ: (صَرِيحٌ) وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ شُبْهَةٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَاطِئًا وَادَّعَاهُ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ نَكَلَ حُلِّفَتْ، وَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَأَوَّلَ نَصَّ الْكِنَايَةِ) وَانْظُرْ مَاذَا تَأْوِيلُهُ.

قَوْلُهُ: (لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا وَيُلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ لَهُ التَّأْدِيبُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ مِنْ شُبْهَةٍ فَقَدْ مَرَّ وَإِنْ قَالَ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي صُدِّقَ، وَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا - وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ -، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ مُسْتَعَارٌ صُدِّقَ فِي نَفْيِ وِلَادَتِهِ وَانْتَفَى عَنْهُمَا مَعًا وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَتْ انْتَفَى عَنْهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِالْوِلَادَةِ، أَوْ لَحِقَهُ بِقَائِفٍ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَائِفٌ، أَوْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ رَجَعَ إلَى الْحَلِفِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ مَا أَرَدْت شَيْئًا فَلَا حَدَّ قَوْلُهُ: (فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ) فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ، وَلَزِمَهُ الْحَدُّ أَيْضًا وَلَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ.

قَوْلُهُ: (بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ) وَكَذَا وَطْءُ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعِفَّةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِهِ، وَإِلَّا فَصَرِيحٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت حَالَ نَفْيِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيُسْأَلْ) وَلَا يُحَدُّ قَبْلَ السُّؤَالِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَدُفِعَتْ) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ بِالْقَذْفِ.

قَوْلُهُ: (وَلِوَلَدِهِ لَسْتَ مِنِّي) لَوْ قَالَ لِوَلَدِهِ أَنْتَ وَلَدُ زِنًى كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ تَفَقُّهًا وَزَادَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْمَشْتُومِ. أَقُولُ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ عُقُوقِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ لِأَمْرِ أَبِيهِ وَشُحِّهِ عَلَيْهِ، وَإِيصَالِ بِرِّهِ لِلْأَجَانِبِ دُونَهُ، فَحَيْثُ أَرَادَ الْأَبُ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا إشْكَالَ فِي قَبُولِهِ ظَاهِرًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: أَنْتِ زَانِيَةٌ، ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَأَنْتِ أَيْضًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ وَأَنْتِ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، قَوْلُهُ: (صَرِيحٌ) اسْتَشْكَلَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَقُولُ قَدْ يُقَالُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عُرْفًا إرَادَةُ الزِّنَى مَعَ الْإِيذَاءِ التَّامِّ لِلْأُمِّ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَةُ مِثْلِ هَذَا كَمَا أَسْلَفْنَا نَظِيرَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي مَسْأَلَةِ زَنَيْتُ بِك.

فَرْعٌ: قَالَ لِقُرَشِيٍّ: لَسْتَ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ عِنْدَهُمَا وَنَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَنَسَبَ لِلنَّصِّ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ قَالَ لِأَخِيهِ لَسْت أَخِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ

[حُكْمِ الْقَذْفِ]

قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ) لَمْ يَذْكُرْ ضَابِطَ الْقَاذِفِ أَعْنِي كَوْنَهُ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا مُخْتَارًا، لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلِذَا أَهْمَلَ هُنَاكَ شَرْطَ الْمَقْذُوفِ وَأَحَالَهُ عَلَى مَا هُنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>